أحدهما: أن الألفاظ الكثيرة إذا وردت من طرق مختلفة ورواة شتى لم يجز أن يكون جميعها كذبا، ولم يكن بد أن يكون بعضها صحيحا، كما لو أخبرنا الجمع الكثير بإسلامهم وجب أن يكون فيهم صادق، ولهذا أثبتنا كثيرا من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأثبتنا وجوب العمل بخبر الواحد بما روي عن الصحابة من العمل به في قضايا مختلفة.
والثاني: أن هذا الخبر تلقته الأمة بالقبول، ولم ينقل عن أحد أنه رده؛ ولهذا نقول: إن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة» لما اتفقوا على العمل به دلَّ على أنه صحيح عندهم.
[قال شيخنا رضي الله عنه] : قلت: وثم طريق ثالث، وهو ثبوت القدر المشترك من المعنى، وهذا غير القطع بصحة واحد من الألفاظ.
قال في أدلة المسألة: وأيضا فلا خلاف أن نصب الزكاة والمقادير الواجبة فيها وأركان الصلاة مقطوع بها، ومعلوم أنه ما ثبت بها خبر متواتر، وإنما نقل فيها أخبار آحاد: ابن عمر وأنس وغيرهما، عدد معروف، فلما اتفقوا عليها وقطعوا على ثبوتها علمنا أن قبولها قطعي من حيث الإجماع، لا من حيث أخبار الآحاد؛ من ناحية أن الأمة تلقتها بالقبول فصارت الأخبار فيها كالمتواتر.
واستدل ابن عقيل بأن تأخر نص عن نص يثبت بخبر الواحد، فيترتب عليه النسخ، وإن كان النسخ لا يثبت بخبر الواحد (١) .
مسألة: يعتبر انقراض العصر عند القاضي والمقدسي والحلواني وابن عقيل. وذكر القاضي أنه ظاهر كلام أحمد، وذكر ابن برهان أنه مذهبهم.