قوله:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[٤٢/٤] ونحو ذلك من المتشابه الذي تكلم عليه ابن عباس في مسائل نافع بن الأزرق وتكلم عليه أحمد وغيره؛ فالأول: كالوقف لعدم الدليل بمنزلة من ليس له ذكر ولا قيل. والثاني: كالوقف لتعارض الدليلين بمنزلة الخنثى الذي له فرجان. وما كان لعدم الدليل فتارة لأن اللفظ يراد به هذا تارة وهذا تارة كالمشترك. وتارة لأن اللفظ لا دلالة له على القدر المميز بحال، كالمتواطئ في مثل قوله:{وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[١٤١/٦] ، وقوله:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ}[١٩٦/٢] ونحو ذلك من المجملات؛ ففي الأول: دل اللفظ على أحدهما لا بعينه وفي الثاني: دل على المشترك بينهما من غير دلالة على أحدهما بحال.
[[التأويل في الكتاب والسنة غير التأويل عند المتأخرين]]
وفي كلام أحمد ومن قبله على المتشابه ببيان معناه أو إزالة التعارض والاختلاف عنه ما يدل على أن التأويل الذي اختص الله به غير بيان المعنى الذي أفهمه خلقه. فما كان مشتبهًا لتنافي الخاطبين أو الدليلين في الظاهر فلا بد من التوفيق بينهما كما فعل أحمد وغيره. وما كان مشتبها لعدم الدلالة (١) على التعيين فقد نعلم التعيين أيضا لأنه مراد بالخطاب، وما أريد بالخطاب يجوز فهمه، وما كان مشتبها لعدم الدلالة على القدر المميز كما في صفات الله تعالى فهنا دال القدر المميز ما دل الخطاب عليه، وهو تأويل الخطاب؛ لأن تأويل الخطاب لا يجب أن يكون مدلولا عليه به ولا مفهوما منه، إذ هو الحقيقة الخارجة، ومتى دل عليها ببعض أحوالها لا يجب أن يكون قد بين جميع أحوالها، فذاك هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله؛ ومنه أيضا مواقيت الوعيد؛ فإن الخطاب لم يبينها ولم يفهم منه، وهي من التأويل الذي انفرد الله بعلمه. فتدبر هذا فإنه نافع جدا في هذه المجازات. فكل ما دل عليه الخطاب يفهم