والشجاعة والسماحة لابد فيها من قوة للنفس لا تتم إلا بتصور محبوب يحضه على الشجاعة والسماحة، وإلا ففي هذا بذل النفس وفي هذا بذل المال الذي هو مادة النفس، فإن لم تتصور النفس أمرا محبوبا تعتاض به عما تبذله من النفس والمال لم تأت الشجاعة والسماحة؛ فيحب الله تخيل المقاصد الرفيعة والمطالب العالية التي تحض على الشجاعة والسماحة؛ فإن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها، ويحب معالي الأمور. فهذا إذا كان تخيلاً مقصودًا. وأما إذا كان تخيلاً موجودًا فلأن الشجاعة التي مضمونها النصرة ودفع الباطل والضرر والسماحة التي مضمونها الرزق وإقامة الحق، والنفع، هما عظيمان في أنفسهما وإليهما ترجع صفات الكمال من جلب المنفعة ودفع المضرة، فإذا تخيل الفاعل نفسه عظيما عند صدور ذلك منه كان مطابقا فكان اعتقادا صحيحا نافعا؛ ولهذا لم يذكر أن الله يحبه إلا عند الحرب والصدقة؛ لأنه في هذا الموطن هو صحيح نافع؛ لأنه يحض على المحبوب، وما أعان على المحبوب فمحبوب. فأما بعد صدور ذلك منه فإنه فخر أو منّ والله لا يحب الفخور ولا المنان. وصار في هذه المنزلة بمنزلة شهوة الطعام عند الأكل وشهوة النكاح عند مضاجعة الرجل أهله، فإن كان ذلك نافعًا به تحصل المصلحة (١) .
[سورة المائدة]
قال ابن القيم رحمه الله: وقد اختلفت أقوال الناس في التوراة التي بين أيديهم هل هي مبدلة أم التبديل والتحريف وقع في التأويل لا في التنزيل؟ على ثلاثة أقوال: طرفين، ووسط. فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها مبدلة مغيرة. إلخ.
(١) الكلام هنا ناقص مجموع ٦٩ ص١٣٤ وللفهارس العامة جـ١/٢٧٣ و ٣٣٦ هذه أطول مما في المجموع.