مفسدة راجحة، وهذا يتوجه إذا نفي حكم العقل ولم ينف صفة العقل. فيقال: ما نعلم أنه لا حكم للعقل، بل نُجَوِّز أذهاننا أن للعقل صفة وإن لم تكن للعقل صفة، إذا فرق بين نفي الدليل ونفي المدلول، وبين التجويز الذهني الذي يرجع إلى عدم العلم وبين التجويز الخارجي الذي يرجع إلى وصف الذوات.
فكلام ابن عقيل مستمر إذا فسر نفي العقل بنفي دلالته، لا بنفي صفة العقل وجوز جوازا ذهنيا أن يكون للعقل صفة وإن لم يثبت جوازها في الخارج. فحينئذ يقال: لا حظر ولا إباحة لانتفاء دليله، والنقل لا يثبت ذلك، ولم يعلم أيضا انتفاء أن يكون في الفعل ضرر أو ذم من الله لم نقف عليه بعقولنا، ولم يكشف لنا سمع، فهذا شك في ثبوت صفة الأفعال، لا في علم العقل بها. وقد يقال أيضا: ما علمنا أن العقل يدرك ذلك، فنحن لم نعلم أن للعقل صفة، ولم نعلم عدم ذلك، ولو كان ثم صفة فلم نعلم أن العقل يدركها أو علمنا أنه لا يدركها فيلزم من ذلك انتفاء الحظر والإباحة والتوقف في نفي الحكم مطلقا. ومن لم يحكم الفرق بين نفي الأدلة ونفي المدلولات وبين الجواز العيني والجواز العقلي وإلا اختبط كثيرا في أمثال هذه الأشياء. ولهذا قال ابن عقيل في أثناء هذه المسألة: لا جواب لهذه المسألة على التحقيق إلا قول المسئول: لا أعلم ما كان الحكم قبل الشرع، إذ لا طريق لنا إلى العلم بالحكم. وكلامه كله يدل على أنه غير حاكم بثبوت حكم ولا نفيه ولا دليل عليه أصلا كما لا دليل على المتردد؛ بخلاف النافي فعليه الدليل فهو لا يعلم ثبوت الحكم ولا انتفاؤه.
فصل
[[يمكن أن يرد الشرع بما لا يحيله العقل]]
قال شيخنا: من قال من أصحابنا: «إن للأفعال والأعيان حكما قبل الشرع» اختلفت أقوالهم فيما يجوز تغييره بالشرع وما لا يجوز، فقال أبو