والأرض فأطاعوا الشيطان في ذلك وحكموا على الله بأنه لم يزل في الأزل الذي لا أول له ولا نهاية معطلا عن الخلق والإحداث والتصرف ألبتة، لأنهم وجدوا الطريق إلى معرفة ذلك من غير جهة السمع مسدودة مع الاعتراف لله بجواز أن يكون قد خلق قبل هذا العالم شيئا، لأنه لو وجد أو حصل في الوجود قبل هذا العالم شيء غير الله لجاز في العقل أن يكون حدوث هذا العالم عنه كالحيوان والنبات وكذلك ما قبله وما قبله وما قبله وهلم جرّا إلى غير نهاية، فامتنعت معرفة الله من غير هذا الوجة وقد زين لهم الشيطان عدم صحة الدين إلا بمعرفته منه فالتزموا الحكم عليه بذلك.
[[والتزم جهم التعطيل عن الخلق في المستقبل ثم اعتقد بطلان الإلهية وترك الصلاة فقتل وصلب]]
وكان «الجهم» أحذقهم فلذلك فهم أن هذه الدعوى لا تصح مع الاعتراف لله بالقدرة في الأزل لأن الاعتراف بالقدرة يوجب جواز الفعل، ومع جواز الفعل يجوز أن يكون حدوث هذا العالم عنه، وهذا لازم كل اللزوم على حكم الغلط أو الضلال في دعوى أن المقام في هذا الباب مقام كشف واطلاع بدلائل العقل مع دعوى التمسك بالدين «النبوة» والإيمان بأنها وحي لا فيض للتعلق بالشرع. وكان أحذق المتكلمين في الله بعقولهم وأصحهم روية وأضلهم في عدم الإيمان بالغيب، فلذلك فهم بطلان هذا الحكم ومعرفة الله من هذا الطريق مع الاعتراف له بالقدرة في الأزل، فلذلك حكم عليه بعدم القدرة في الأزل، واقتضى ضلاله أن يلزم من ذلك أنه سيعود الأمر إلى عدم القدرة. ومن هنا قال بفناء الجنة والنار. ثم ظهر له بعد ذلك بطلان هذا كله وأضله الله عن الإيمان بالشرع، فاعتقد بطلان الإلهية وأعرض عن الشرع وترك الصلاة، وقال: إذا تبت عند من أعبده صلبت. فضرب الوالي بخراسان عنقه وصلبه سنة ثلاثين ومائة.