فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة» حق إذا أريد به الدخول المطلق الكامل أريد بـ «المؤمن» الكامل المطلق وإذا أريد بالدخول مطلق الدخول فقد يتناول الدخول بعد العذاب، فإنه يراد به مطلق المؤمن، حتى يتناول الفاسق الذي في قلبه مثقال ذرة من إيمان؛ فإن هذا يدخل في مطلق المؤمن كقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[٩٢/٤] ولا يدخل في المؤمن المطلق كقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} الآية [٢/٨] .
ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة ينتفي الاسم عن المسمى تارة لنفي حقيقته وكماله، ويثبت له تارة لوجود أصله وبعضه؛ حتى يقال للعالم القاصر، والصانع القاصر: هذا عالم وهذا صانع بالنسبة إلى من لا يعلم وإلى من لا يصنع. ويقال: هذا ليس بعالم ولا صانع لوجود نقصه وتقصيره. ويقال للكامل: هو العالم والصانع، وهذا هو الشجاع، وأمثاله كثيرة من الأسماء والصفات: كالمؤمن، والكافر، والفاسق، والمنافق. والله أعلم (١) .
قال ابن القيم رحمه الله: وأيضا فإنه يعفى للمحب ولصاحب الإحسان العظيم ما لا يعفى لغيره، ويسامح بما لا يسامح به غيره.
[[يعفى لصاحب المقامات العظيمة ويسامح ... ]]
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: انظر إلى «موسى» صلوات الله وسلامه عليه رمى الألواح التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجر بلحية نبي مثله وهو هارون، ولطم عين ملك الموت ففقأها وعاتب ربه ليلة الإسراء في محمد - صلى الله عليه وسلم - ورَفْعِهِ عليه، وربه
(١) مختصر الفتاوى ٢٠٤-٢٠٦. هذا الفصل لم أجده بهذا الإيجاز والوضوح والتفصيل في المجموع وانظر جـ١/١٣٧- الفهارس العامة.