[الدعاء من أعظم الأسباب. غلط من قال: لا فائدة فيه، أو عبادة محضة، أو علامة على حصول المطلوب]
فقالت طائفة: لا فائدة فيه، وهم المتفلسفة والمتصوفة وتبعهم طائفة من المؤمنين بالشرائع قالوا: إنه عبادة محضة.
وقال آخرون: بل هو أمارة وعلامة على حصول المطلوب وكل هذا باطل.
بل الحق أنه من أعظم الأسباب التي جعلها الله سببا.
والصواب أن الله جعل في الأجسام القوى التي هي الطبائع فإن من أهل الإثبات من أنكرها، وقال: إن الله جعل الآثار عندها لا بها، فيخلق الشبع عند الأكل؛ لا به. وهذا خلاف الكتاب والسنة؛ فإن الله تعالى قال:{فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}[٥٧/٧] وفي القرآن من هذا كثير.
فهو سبحانه وإن جعل في الأجسام قوى مهيئة فكذلك الدعاء من جملة الأسباب التي خلقها، والسبب لا يستقل بالحكم ولا يوجبه، بل قد يتخلف عنه الحكم لمانع. فإذا كان متوقفا على وجود أسباب أخر وانتفاء موانع فليس في الوجود ما يستقل بالتأثير إلا الله الذي هو خالق كل شيء وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[٤٩/٥١] فتعلمون أن خالق الأزواج واحد.
[[لا يستقل بالتأثير إلا الله]]
وقد بسطنا الكلام في بطلان ما قاله المتفلسفون في أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وما ذكروه من الترتيب الذي وضعوه لخيالاتهم الفاسدة في غير هذا الموضع (١) .
(١) مختصر الفتاوى المصرية ص٢٦٣، ٢٦٤ يفهرس تابعا جـ١/١٤٨ من الفهارس العامة.