قال: وهذا عندي محمول على وجه صحيح من كلام أحمد، وأنه يوجب العلم من طريق الاستدلال، لا من جهة الضرورة، والاستدلال يوجب العلم من أربعة أوجه:
أحدها: أن تتلقاه الأمة بالقبول، فيدل ذلك على أنه حق، لأن الأمة لا تجتمع على الخطأ ولأن قبول الأمة له يدل على أن الحجة قد قامت عندهم بصحته، لأن العادة أن خبر الواحد الذي لم تقم الحجة به لا تجتمع الأمة على قبوله، وإنما يقبله قوم ويرده قوم.
والثاني: خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واحد فنقطع بصدقه؛ لأن الدليل قد دل على عصمته وصدق لهجته.
الثالث: أن يخبر الواحد ويدعي على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمعه منه فلا ينكره فيدل على أنه حق، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقر على الكذب.
الرابع: أن يخبر الواحد ويدعي على عدد كثير أنهم سمعوه معه فلا ينكر منهم أحد، فيدل على أنه صدق، لأنه لو كان كذبا لم تتفق دواعيهم على السكوت عن تكذيبه، والعلم الواقع عن ذلك كله مكتسب؛ لأنه واقع عن نظر واستدلال، وقال إبراهيم النظام: خبر الواحد يجوز أن يوجب العلم الضروري إذا قارنته أمارة.
[[لا تنحصر أخبار الآحاد الموجبة للعلم في أربعة أقسام]]
قال شيخنا: قلت: حصره لأخبار الآحاد الموجبة للعلم في أربعة أقسام ليس بجامع؛ لأن مما يوجب العلم أيضا ما تلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالقبول كإخباره عن تميم الداري بما أخبر به، ومنه إخبار شخصين عن قضية يعلم أنهما لم يتواطآ عليها ويتعذر في العادة الاتفاق على الكذب فيها أو الخطأ، ومنه غير ذلك.
ثم أفرد ابن برهان فصلين في آخر كتاب الأخبار، أحدهما: فيما إذا أجمع الناس على العمل بخبر الواحد: هل يصير كالمتواتر؟ واختار أنه لا يصير. والثاني: إذا ادعى الواحد على جماعة بحضرتهم صدقه