إذا قال:«لا تعط زيدا حبة» فهذا عند ابن عقيل وغيره في اقتضائه النهي عن إعطاء قيراط من باب فحوى الكلام، وذكر عمن قال هذا من باب اللفظ وخالفه بأن للدينار والقيراط اسما يخصه ويخرجه عن دخوله في لفظ الحبة، فيقول القائل: لم آخذ حبة لكن دينارا، وما سلمت على زيد لكن على أهل القرية، وإن كان فيهم زيد، فللتخصيص حكم غير التعميم والشمول.
قال شيخنا: حاصله: أنه يقصد نفي الواحد من الجنس، لا نفي الجنس، بخلاف ما صار يفهم منه كما قيل مثل هذا في قوله: ما رأيت رجلا، بل رجالا، وهذا قريب؛ لأن دلالة الفحوى قطعية بالعرف؛ ثم التزم أنه إذا ادعى عليه دينارا فقال:«لا يستحق علي حبة» لم يكن جوابا قائما مقام قوله: «لا يستحق علي ما ادعاه ولا شيئا منه» واعتذر بأن هذا لم يكن، لأنه ليس بمستفاد من طريق فحوى اللفظ لا المعنى، لكن لأنه ليس بنص؛ ولا يكتفي في دفع الدعوى إلا بالنص دون الظاهر، ولهذا لا يقبل في يمين المدعي: والله إني لصادق فيما ادعيته عليه. ولا يكتفي في يمين المنكر: والله إنه لكاذب فيما ادعاه علي. كل ذلك طلبا للنص الصريح دون الظاهر.
قال شيخنا: والصواب: أن هذا نكرة فيعم جميع الحبات كسائر النكرات، ولكن اقتضاؤه لما لم يندرج في لفظ «حبة» من باب الفحوى؛ إلا أن يقال: مثل هذه الكلمة قد صارت بحكم العرف حقيقة في العموم، فيكون هذا أيضا من باب الحقيقة العرفية، لا من باب الفحوى.
فهذا الباب يجب أن يميز فيه ما عم بطريق الوضع اللغوي، وما عم بطريق الوضع العرفي، وما عم بطريق الفحوى الخطابي، وما عم بطريق المعنى القياسي.