للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعث بها محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليصححوا بذلك دعواهم الباطلة «معرفة حدوث العالم» وهو ما سوى الله في التفتيش على الله بدلائل العقل من غير جهة السمع. وزين لهم الشيطان أنها صفات نقص يجب تنزيه الله عنها، لأن أسماءها تماثل في اللفظ أسماء صفات المخلوقين الناقصة بنقصهم؛ فلزم من ذلك المماثلة في الحقيقة والكيفية، فوجب تنزيه الله عنها، وإلا كان جسمًا ممكنا محدثا اعتبارا بالمخلوق في زعمهم، وذلك خطأ باين (١) .

[[حبهم نفى صفات الله تقليدا للفلاسفة الضالين الذين قاسوه على مخلوقاته والمتكلمون قلدوه]]

وزين لهم الاحتجاج على ذلك بخرافات وترهات باطلة ليس فيها مقدمة صحيحة يصح الاحتجاج بها بين يدي الله على صحة الكلام في الله بدلائل العقل في اعتباره بمخلوقاته؛ لأن حقيقتها ومعناها التسوية بين الله وبين مخلوقاته في حكم الطبيعي والمنطق المختص حكمهما بالمخلوقات دون الخالق؛ لأن واضعهما من الفلاسفة وغيرهم «أرسطوطاليس» وغيره، إنما وضعهما على حكم المشهود من المخلوقات ومن طبائعها إذ لم يكن له وصول إلى حكم الخالق سبحانه من غير جهة السمع، والسمع لا قدر له عنده، لاعتقاده أن النبوة فيض لا وحي.

وعلى حكم الإيمان بأنها وحي فهي إنما وردت بتوحيد الله وعدم مماثلة شيء له لا في حقيقة ذاته ولا في حقائق صفاته وأفعاله ولا في شيء من بيناته؛ لكنه سبحانه جعل {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أي يتبعون ما جاءت به النبوة على حكم التسليم والإيمان وجعلها أيضا سببا لضلال الضالين بإرادتهم الكشف والاطلاع في مقام التسليم والإيمان على عين اليقين في معرفة الله من غير جهة الأنبياء آدم ومن بعده، وذلك كما قال سبحانه:


(١) كذا بالأصل والمعنى بين.

<<  <  ج: ص:  >  >>