مَرْيَمُ} [٣٥-٤٤/٣] فهذه مريم احتاجت إلى من يكفلها ويحضنها حتى اقترعوا على كفالتها فكيف بمن سواها من النساء؟
وهذا أمر يعرف بالتجربة أن المرأة تحتاج من الحفظ والصيانة إلى ما لا يحتاج إليه الصبي، وكلما كان أستر لها وأصون كان أصلح لها؛ ولهذا كان لباسها المشروع لباسا لها يسترها، ولعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يلبس منهن لباس الرجال» ، وقال لأم سلمة في عصابتها:"لَيَّة لا لَيَّتَيْن" رواه أبو داود وغيره، وقال في الحديث الصحيح "صنفان من أمتي لم أرهما بعد نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله".
وأيضا فأمرت المرأة في الصلاة أن تتجمع ولا تجافي بين أعضائها وفي الإحرام أن لا ترفع صوتها إلا بقدر ما تسمع رفيقتها، وأن لا ترقى فوق الصفا والمروة، كل ذلك لتحقيق سترها وصيانتها ونهيت أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم لحاجتها في حفظها إلى الرجال مع كبرها ومعرفتها فكيف إذا كانت صغيرة مميزة وقد بلغت سن ثوران الشهوة فيها، وهي قابلة للانخداع؟ وفي الحديث:"النساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه".
فهذا مما يبين أن مثل هذه الصبية المميزة من أحوج النساء إلى حفظها وصونها، وترددها بين الأبوين، مما يخل بذلك من جهة: أنها هي التي لا يجتمع قلبها على مكان معين، ولا يجتمع قلب أحد الأبوين على حفظها، ومن جهة أن تمكينها من اختيار هذا تارة وهذا تارة يخل بكمال حفظها وهو ذريعة إلى ظهورها وبروزها، فكان الأصلح لها أن تجعل عند أحد الأبوين مطلقًا، ولا تمكن من تخيير، كما قال ذلك جمهور