وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا.
وكان يقول في سجوده وهو محبوس:«اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ما شاء الله.
وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه.
ولما أدخل إلى القلعة وصار داخل السور نظر إليه وقال:{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[١٣/٥٧] .
وعلم الله ما رأيت أحدا، أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيس وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا، وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه. وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه: فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحا، وقوة ويقينا وطمأنينة.
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها (١) .
قال ابن القيم رحمه الله: وحدثني بعض أقارب شيخ الإسلام رحمه الله قال: كان في بداية أمره يخرج أحيانا إلى الصحراء يخلو عن