قال الحكيم الترمذي: هذا عبد اعترف بالظلم ثم التجأ إليه مضطرا لا يجد لذنبه ساترا غيره. ثم سأله مغفرة من عنده والأشياء كلها من عنده ولكن أراد شيئا مخصوصا ليس مما يذكر للعامة فلله رحمة قد عمت الخلق برهم وفاجرهم، سعيدهم وشقيهم، ثم له رحمة خص بها المؤمنين خاصة وهي رحمة الإيمان، ثم له رحمة خص بها المتقين وهي رحمة الطاعة لله تعالى، ولله رحمة خص بها الأولياء نالوا بها الولاية، وله رحمة خص بها الأنبياء نالوا بها النبوة، وقال الراسخون في العلم:{وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}[٨/٣] فسألوه رحمة من عنده، فهذا صورة ما شرحه ولم يذكر صفة الظلم وأنواعه كما ذكر صفة الرحمة.
وليعلم أن الدعاء الذي فيه اعتراف العبد بظلمه لنفسه ليس من خصائص الصديقين ومن دونهم بل هو من الأدعية التي يدعوا بها الأنبياء وهم أفضل الخلق، قال الله تعالى عن آدم وحواء:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[٢٣/٧] وقال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}[١٦/٢٨] والخليل عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}[٤١/١٤]{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[٨٢/٢٦] ، وقال هو وإسماعيل عليه السلام:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} إلى قوله: {وَتُبْ عَلَيْنَا}[١٢٧، ١٢٨/٢] ، وقال يونس عليه السلام:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[٨٧/٢١] . وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في دعائه:«ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي» ، وثبت عنه: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وعلانيته وسره وأوله وآخره. اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي.