أصحابنا قد احتجوا بهذه الآية على القرعة. وأقرب منه قرعة زكريا، فإنهم اقترعوا على الحضانة، وهو جائز، لكن المقترعون كانوا رجالا أجانب فاقترعوا لأنهم قد كان في شرعهم له ولاية حضانة المحررة، فارتفاع الحكم في عين الأصل لا يكون رفعا له في مثل ذلك الأصل إذا وجد.
ومثل ذلك نهيه لمعاذ عن الجمع بين الائتمام وإمامة قومه إذا كان للتطويل عليهم هل يكون نسخا لما دل الجمع عليه من ائتمام المفترض بالمتنفل؟ قال القاضي في مسألة «نسخ الأصل نسخ لفرعه» : احتج المخالف بأنه لو نسخ ذلك لكان نسخا بالقياس على موضع النص، وهذا لا يجوز بالإجماع. فقال: والجواب: أنه ليس بنسخ بالقياس، وإنما زال الموجب فزال ما تعلق به، كما إذا زالت العلة زال الحكم المتعلق بها. قال: وإنما النسخ بالقياس أن ينسخ حكم الفرع بعد استقراره بالقياس على أصل شرع بعد استقراره، وهذا لا يجوز بالإجماع. فأما إزالته بنسخ أصله فليس بنسخ بالقياس.
قال شيخنا: قلت: بل هو في المعنى نسخ بالقياس كما هو إثبات بالقياس؛ لأن الحكم الثابت في الأصل أثبت في الفرع قياسا، ثم إذا ثبت التحريم في الأصل ثبت في الفرع قياسا، إلا أن يقول القاضي: أنا أزيل حكم الأصل عن الفرع ولا أثبت ضده فلا يمشي هذا، لأن الفرع كان قد ثبت فيه حكم الأصل فلا بد من مزيل إما خطاب وإما حكم، والخطاب لم يتناوله فثبت أنه نسخ لحكم الأصل، وهذا جائز ولهذا قال لما ذكر المسألة مفردة: وأما القياس فلا ينسخ لأنه مستنبط من أصل فلا يصح نسخه مع بقاء الأصل المستنبط منه، والأصل باق فكان القياس باقيا ببقائه، وإذا لم يصح نسخه لم ينسخ به أيضا، لأنه إنما يصح ما لم يعارضه أصل، فإن عارضه أصل سقط في نفسه فبطل أن ينسخ الأصل به.