ولو كان ذلك لكان مجيء هذا النص بهذا يوجب إلحاق نظائره به فيقاس على الأب مع الأم.
وكذلك إسلام النقدين في الموزونات يقدح في كون العلة الوزن، ولم يثبت ذلك بنص بين؛ بل بعلة مستنبطة قد عارضها ما هو أقوى منها؛ فانتقاض العلة يوجب بطلانها إذا لم تختص صورة النقض بفرق معنوي قطعا؛ فإن الشارع حكيم عادل لا يفرق بين المتماثلين، فلا تكون الصورتان متماثلتين ثم يخالف بين حكميهما؛ بل اختلاف الحكمين دليل على اختلاف الصورتين في نفس الأمر، فإن علم أنه فرق بينهما كان ذلك دليلا على عدم استوائهما في نفس الأمر، وإن لم يعلم مجيء الفرق لم يجز أن يجمع ويسوى إلا بدليل يقتضي ذلك. وهذا معنى قول إياس بن معاوية من القضاة: قيسوا للقضاة ما صلح الناس فإذا فسدوا فاستحسنوا. فأقر مخالفة القياس إذا تغير الأمر بحصول معاند يمنع القياس.
وأحمد قال بالاستحسان لأجل الفارق بين صورة الاستحسان وغيرها، وهذا من باب تخصيص العلة للفارق المؤثر، وهذا حق، وأنكر الاستحسان إذا خصت العلة من غير فارق مؤثر؛ ولهذا قال: يدعون القياس الذي هو حق عندهم للاستحسان.
وهذا أيضا هو الاستحسان الذي أنكره الشافعي وغيره، وهو منكر كما أنكروه؛ فإن هذا الاستحسان وما عدل عنه من القياس المخالف له يقتضي فرقا وجمعا بين الصورتين بلا دليل شرعي؛ بل بالرأي الذي لا يستند إلى بيان الله ورسوله وأمر الله ورسوله، فهو عندهم وضع شرع ابتداء وقد قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[٢١/٤٢] وذلك أنه إذا كان القياس لم ينص الشارع على علته ولا دل لفظ الشارع على عموم المعنى فيه ولكن رأي الرائي