فالمقصود ضبط أصول الفقه الكلية المطردة المنعكسة، وبيان أن الشريعة ليس فيها ما نص أصلا، والقياس الصحيح لا يكون خلافه إلا مانعا؛ فإن القياس الصحيح هو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين، والجمع بين الأشياء التي جمع الله ورسوله بينها فيه والتفريق بينها فيما فرق الله ورسوله بينها فيه.
والقياس: هو اعتبار المعنى الجامع المشترك الذي اعتبره الشارع وجعله مناطا للحكم، وذلك المعنى يكون لفظًا شرعيًّا عامًا أيضًا، فيكون الحكم ثابتا بعموم لفظ الشارع ومعناه.
وقد بينا في غير هذه الموضع أن الأحكام كلها ثابتة بلفظ الشارع ومعناه، فألفاظه تناولت جميع الأحكام، والأحكام كلها معللة بالمعاني المؤثرة، فمعانيه أيضا متناولة لجميع الأحكام؛ لكن قد يفهم المعنى من لم يعرف اللفظ العام، وقد يعرف اللفظ العام ودلالته من يفهم العلة العامة. وكثيرًا ما يغلط من يظنه قال لفظا ولم يقله، أو يجعله عاما أو خاصا ويكون مراد الشارع خلاف ذلك، كما يغلط من يظنه اعتبر معنى لم يعتبره أو ألغى معنى وقد اعتبره، ونحو ذلك.
وإنا نبين ما يذكره العلماء أنه استحسان على خلاف القياس.
فمن ذلك ما يذكره أحمد في إحدى الروايتين عنه إذا اعتبر الاستحسان؛ فإنه ذكر عنه روايتين كما تقدم.
والقول الثالث- وهو الذي يدل عليه أكثر نصوصه-: أن الاستحسان المخالف للقياس صحيح إذا كان بينهما فرق مؤثر قد اعتبره الشارع، وليس بصحيح إذا جمع بغير دليل شرعي دعوى بغير دليل شرعي وأنه لا يجوز ترك القياس الصحيح.
أما قوله: «أستحسن أن يتيمم لكل، صلاة؛ لكن القياس أنه بمنزلة