مثل قول ابن عقيل، ذكر ذلك في الإتمام لكتاب الروايتين والوجهين، وبهذا قال ابن سريج القفال، وكذلك ذكر ابن برهان لهم الوجهين، وذكره الخرقي فقال: يقلد الأعمى أوثقهما في نفسه. وذكر أبو الخطاب في ضمن مسألة تعادل الأمارات فيها وجهين، أحدهما: يجتهد في أعيان المفتين، ويقلد أعلمهما وأدينهما عنده، وأخذ أصحابنا أن له أن يقلد من شاء من أهل الاجتهاد من قوله في رواية الحسن بن زياد (١) ، وقد سأله عن مسألة في الطلاق فقال: إن فعل حنث. فقال له: يا أبا عبد الله! إن أفتاني إنسان -يعني أنه لا يحنث- فقال: تعرف حلقة المدنيين- حلقة بالرصافة- فقال: له: إن أفتوني به حل؟ قال: نعم. قال: وهذا يدل على أن العامي يخير في المجتهدين. وذكر أبو الخطاب قول من قال: يلزمه أن يجتهد في أعيانهم أيهم أعلم وقد أومأ الخرقي إلى نحو هذا في مسألة القبلة، ووجه أبو الخطاب الأول بالإجماع وبأن معرفة الأعلم تتعذر على العامي، وقال أبو الخطاب: فإن اجتهد في العلماء فاستوى عنده علمهم، فإن كان أدين وجب عليه تقديم الأدين على أحد الوجهين وعلى الوجه الآخر هما سواء، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أدين، فقال بعضهم: هما سواء, وقال آخرون: يعتمد الأعلم، فإن استووا عنده في العلم والدين كان مخيرا في الأخذ بأي أقاويلهم شاء؛ لأنه ليس بعضهم بقبول قوله أولى من بعض.
قال: وإن أفتاه اثنان واختلفا فهل يخير بينهما، وقيل مع التساوي عنده، أو يأخذ بأغلظهما، أو أشدهما، أو بأخفهما، أو بأرجحهما دليلا، أو بقول أعلمهما وأورعهما، أو الأعلم، أو الأورع، أو يسأل مفتيا آخر فيعمل بقول من وافقه منهما، وقيل: أو من خالفه؟ فيه أوجه ذكرت.
قال شيخنا: قلت: بعض هذه الوجوه إنما هي فيما ينسب إلى
(١) نسخة: الحسن بن بشار المخزومي. ونسخة: الحسين بن زياد.