في أعيانهم؟ فيه وجهان، أحدهما -وهو عند العراقيين قول الأكثر والصحيح- أنه لا يجب. الثاني: أنه يجب، قاله ابن سريج والقفال، وصححه صاحبه القاضي حسين، والأول أصح؛ لكن متى اطلع على الأوثق منهما فالأظهر أنه يلزمه تقليده دون الآخر، كما يجب تقديم أرجح الدليلين، فيقدم أورع العالمين وأعلم الورعين، والأعلم أولى من الأورع على الأصح.
وهل يجوز له أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء؟ فإن كان منتسبا إلى مذهب معين انبنى على أن العامي هل له مذهب؟ فيه وجهان، حكاهما أبو الحسين، أحدهما: لا، فله أن يستفتي من شاء من أهل المذاهب، الثاني: وهو أصح عند القفال والمروذي له مذهب، فلا يجوز له إن كان شافعيا أن يستفتي حنفيا، ولا يخالف إمامه. قاله أبو عمرو: وقد ذكرنا في المفتي المنتسب ما يجوز له مخالفة إمامه، وإن لم يكن قد لانتسب إلى مذهب معين انبنى على أنه: هل يلزمه التمذهب بمذهب معين؟ فيه وجهان ذكرهما ابن برهان، أحدهما: لا يلزمه ذلك، قال أبو عمرو: فعلى هذا هل له أن يستفتي على أي مذهب شاء أو يلزمه أن يبحث حتى يعلم علم مثله أشد المذاهب وأصحها أصلا فيستفتي أهله؟ فيه وجهان، كما في أعيان المفتين. والثاني يلزمه ذلك، وبه قطع إلكيا، وهو جار في كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأرباب سائر العلوم، قال: فعلى هذا ليس له أن يتبع في ذلك مجرد التشهي والميل إلى ما وجد عليه أباه، وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة، وإن كانوا أعلم؛ لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه فليس لأحد منهم مذهب، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم. ثم ذكر رجحان مذهب الشافعي على من قبله، قال: ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك.
فإن اختلف عليه فتوى مفتيين ففيه أوجه؛ أحدها: الأغلظ.