من الاختلاف فإن لم يكن فاتباع الأكثر أولى، ويكره تقليد الواحد المخالف للأكثر لأجل تقدم ونحوه.
وقال أيضا: في أول «شرح الحديث» : كل من هذه المذاهب إذا أخذ به آخذ ساغ له ذلك، فإن خرج من الخلاف فأخذ بالأحوط كتحريه مسح جميع رأسه، وأخذ فيما لا يمكنه الخروج من الخلاف فيه كمسألة البسملة بقول الأكثر كان هو الأولى.
قال: وعلى هذا أرى ما استمر من الخلفاء الراشدين -يعني خلفاء بغداد- من ترك الجهر في الجوامع، لأن الخطباء قد يكون فيهم من يعتقد مذهب الشافعي إلا أنهم استمروا على ذلك لما ذكرته. قال: وهذا هو المانع لي من الجهر لأكون مع الأكثر. فأما المجتهد فإنه إذا ثبت عنده حق بمقتضى ما أداه اجتهاده إليه في مسألة، فإن فرضه ما أداه إليه اجتهاده على أن المجتهد اليوم لا يتصور اجتهاده في هذه المسائل التي قد تحررت في المذاهب لأن المتقدمين قد فرغوا من ذلك.
فأما هذا الجدل الذي يقع بين أهل المذاهب فإنه أوفق ما يحمل الأمر فيه بأن يخرج مخرج الإعادة والتدريس فيكون الفقيه فيه معيدا محفوظه ودارسا ما يعلمه. فأما اجتماع الجمع منهم متجادلين في مسألة مع أن كل واحد منهم لا يطمع في أن يرجع خصمه إليه إن ظهرت حجته، ولا هو يرجع إلى خصمه إن ظهرت حجته عليه، ولا فيه عندهم فائدة ترجع إلى مؤانسة، ولا إلى استجلاب مودة، ولا إلى توطئة القلوب لوعي الحق، بل هو على الضد من ذلك؛ فإنه مما قد تكلم فيه العلماء وأظهروا من عذره (١) ما أظهروا كابن بطة وابن حامد في جزئه، ولا يتمارى في أنه محدث متجدد.