وعلى هذا فلفظ طاهر في الشرع أعم من لفظ «طهور» فكل طهور طاهر، وليس كل طاهر طهورا.
وقد غلط الفريقان في ظنهم أن «طهورًا» معدول عن طاهر، وإنما هو اسم لما يتطهر به؛ فإن العرب تقول: طهور، ووجور لما يتطهر به، ويوجر به، وبالضم للفعل الذي هو مسمى المصدر فطهور صيغة مبينة لما يفعل به، وليس معدولا عن طاهر، ولهذا قال تعالى في إحدى الآيتين:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورً}[٤٨/٢٥] وقال في الآية الأخرى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}[١١/٨] .
إذا عرفت هذا فالطاهر يتناول الماء وغيره، وكذلك الطهور؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - «جعل التراب طهورا» ، ولكن لفظ «طاهر» يقع على جامدات كثيرة كالثياب والأطعمة وعلى مائعات كثيرة كالأدهان والألبان، وتلك لا يمكن أن يتطهر بها فهي طاهرة ليست بطهور.
قال بعض الناس: لا فائدة في النزاع في المسألة. قال القاضي أبو يعلى: فائدته أنه عندنا لا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء لاختصاصه بالتطهير، وعندهم تجوز لمشاركته غير الماء في الطهارة، قال أبو العباس: وله فائدة أخرى: وهي أن الماء يدفع النجاسة عن نفسه بكونه مطهرا كما دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الماء طهور لا ينجسه شيء» وغيره ليس بطهور فلا يدفع، وعندهم الجميع سواء (١) .
وتجوز طهارة الحدث بكل ما يسمى ماء، وبمعتصر الشجر، قاله ابن أبي ليلى والأوزاعي والأصم وابن شعبان؛ وبالمتغير بطاهر، وهو رواية عن أحمد رحمه الله، وهو مذهب أبي حنيفة، وبما خلت به امرأة لطهارة وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى وهو مذهب الأئمة الثلاثة.