والعياذ بالله فإنه يكفيه استقبال العرصة، قال أبو العباس: الواجب استقبال البنيان، وأما العرصة والهواء فليس بكعبة ولا بناء وأما ما ذكروه من الصلاة على أبي قبيس ونحوه فإنما ذلك لأن بين يدي المصلي قبله شاخصة مرتفعة وإن لم تكن مسامته فإن المسامتة لا تشترط كما لم تكن مشروطة في الائتمام بالإمام، وأما إذ زال بناء الكعبة والعياذ بالله فنقول بموجبه وأنه لا تصح الصلاة حتى ينصب شيئا يصلي إليه، لأن أحمد جعل المصلي على ظهر الكعبة لا قبلة له، فعلم أنه جعل القبلة البناء الشاخص.
وكذلك قال الآمدي: إن صلى بإزاء الباب وكان مفتوحا لا تصح صلاته وإن كان مردودا صحت، وإن كان مفتوحا وبين يديه شيء منصوب كالسترة صحت، لأنه يصلي إلى جزء من البيت. فإن زال بنيان البيت والعياذ بالله وصلى وبين يديه شيء صحت الصلاة، وإن لم يكن بين يديه شيء لم تصح، وهذا من كلام الآمدي يدل على أن البناء لو زال لم تصح الصلاة إلا أن يكون بين يديه شيء، وإنما يعني به -والله أعلم- ما كان شاخصا كما قيده فيما لو صلى إلى الباب، ولأنه علل ذلك بأنه إذا صلى إلى سترة فقد صلى إلى جزء من البيت. فعلم أن مجرد العرصة غير كاف، ويدل على هذا ما ذكره الأزرقي في أخبار مكة أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير، لا تدع الناس بغير قبلة، انصب لهم حول الكعبة الخشب، واجعل الستور عليها حتى يطوف الناس من ورائها ويصلون إليها ففعل ذلك ابن الزبير، وهذا من ابن عباس وابن الزبير دليل على أن الكعبة التي يطاف بها ويصلى إليها لا بد أن تكون شيئا منصوبا شاخصا، وأن العرصة ليست قبلة،
ولم ينقل أن أحدا من السلف خالف في ذلك ولا أنكره، نعم لو فرض أنه قد تعذر نصب شيء من الأشياء موضعها بأن يقع ذلك إذا
هدمها ذو السويقتين من الحبشة في آخر الزمان فهنا ينبغي أن يكتفي حينئذ باستقبال العرصة، كما يكتفي المصلي أن يخط خطا إذا لم يجد