والمرجئة من الشيعة والأشعرية قابلوا المعتزلة بنقيض قولهم فقالوا: لا نجزم بتعذيب أحد من أهل التوحيد، وهذا أيضا باطل، بل تواترت السنن بدخول أهل الكبائر النار، وخروجهم منها بشفاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة وأئمتها متفقون على ما جاءت به السنن.
وقد يفعل العبد من الحسنات ما يمحو الله به بعض الكبائر كما غفر للبغي بسقي الكلب، وقوله لأهل بدر:«اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ولكن هذا يختلف باختلاف الحسنات ومقاديرها وبصفات الكبائر ومقاديرها، فلا يمكن لنا أن نعين حسنة تكفر بها الكبائر كلها غير التوبة فمن أتى كبيرة ولم يتب منها ولكن أتى معها بحسنات أخر فهذا يتوقف أمره على الموازنة والمقابلة، {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}[٦-٩/١٠١] فلهذا كان صاحب الكبيرة تحت الخطر ما لم يتب منها، فإذا أتى بحسنات يرجى له محو الكبيرة، وكان بين الخوف والرجاء.
والحسنة الواحدة قد يقترن بها من الصدق واليقين ما يجعلها تكفر الكبائر، كالحديث الذي في صاحب البطاقة الذي ينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر، ويؤتى ببطاقة فيها كلمة لا إله إلا الله فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فثقلت البطاقة وطاشت السجلات وذلك لعظم ما في قلبه من الإيمان واليقين، وإلا فلو كان كل من نطق بهذه الكلمة تكفر خطاياه لم يدخل النار من أهل الكبائر المؤمنين بل والمنافقين أحد، وهذا خلاف ما تواترت به الآيات والسنن، وكذلك حديث البغي، وإلا فليس كل من سقى كلبا عطشانا يغفر له، كما أنه قد يقترن بالسيئة من الاستخفاف والإصرار ما يعظمها فلهذا وجب التوقف في المعين، فلا يقطع بجنة ولا نار إلا ببيان من الله، لكن يرجى للمحسن ويخاف على المسيء.