وإذا كان للناس على إنسان ديون أو مظالم بقدر ما له على الناس من الديون والمظالم كان يسوغ أن يقال: يحاسب بذلك فيه بقدر حقه من هذا أو يصرف إلى غريمه، كما يفعل في الدنيا بالمدين الذي له وعليه يستوفي ما له ويوفي ما عليه (١) .
وأما إذا مات الميت وله غرماء مديونون لم يستوف مما عليهم شيئًا فهل مطالبتهم للميت أو للورثة؟ اضطرب فيه الناس.
والصواب: إن كان الحق مظالم لم يتمكن هو ولا ورثته من استيفائها: من قود، أو قذف، أو غصب - فهو المطالب.
وإن كان دينًا ثبت باختياره وتمكن من استيفائه فلم يستوفه حتى مات فورثته تطالب به إلى يوم القيامة.
وإن كان دينًا عجز عن استيفائه هو وورثته، فالأشبه أنه هو الذي يطالب به. فإن العجز إذا كان ثابتًا فيه وفي الوارث ولم يتمكن أحدهما من الانتفاع بذلك في الدنيا لم يدخل في الميراث، فيكون المستحق أحق بحقه في الآخرة، كما في المظالم. والإرث مشروط بالتمكن من الاستيفاء، كما أنه مشروط بالعلم بالوارث.
فلو مات وله عصبة بعيدة لا يعرف نسبهم لم يرثوه لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا عام في جميع الحقوق التي لله ولعباده هي مشروطة بالتمكن من العلم والقدرة. والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم.
ولهذا قال العلماء: إن ما يجهل مالكه من الأموال التي قبضت بغير حق كالمكوس أو قبضت بحق كالوديعة والعارية وجهل صاحبها بحيث تعذر ردها إليه فإنها تصرف في مصالح المسلمين، وتكون حلالاً