للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصيغتين في الجواز فقط، فإن قوله: ما رأيت من رجل، إنما هو نص في الجنس، لأن حرف من للجنس وأما نحو: ما رأيت رجلا فهو ظاهر في الجنس يقتضي العموم، ويجوز أن يراد به مع القرينة نفي الجنس الواحد، فيجوز للمتكلم أن يريد بكلامه ذلك، كما يريد به سائر الاحتمالات المرجوحة.

فإذا قال: إن خرجت إلا بإذني، ونوي خروجا واحدا نفعه ذلك، وحملت يمينه عليه، ولو كان السبب يتقضي ذلك مثل أن تطلب منه الخروج إلى لقاء الحجاج فيقول: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق فهو كما لو حلف لا يتغدى إذا دعي إلى غداء، ففيه قولان: هما وجهان في مذهب أحمد، الصواب أنه يقتصر على ذلك الغداء؛ لأن المفهوم من كلام الناس عرفًا، والفرق بينه وبين ألفاظ الشارع أن العبرة في كلام الشارع بعموم لفظه لا بخصوص سببه، ذلك لأن هناك تعارض قصد التخصيص وقصد التأسيس بالحكم فيرجح التأسيس، لأن كلام الشارع منصوب له وهو موجب اللفظ، وهنا لم يعرف أن غرض الحالف تأسيس المنع من الفعل، فسلمت دلالة التخصيص من معارض، فظهر أن قوله: إن خرجت بغير إذني، مثل قوله: إن خرجت إلا أن آذن لك، هذا خروج مقيد، وهذا خروج مطلق، كقوله: لا أتغدى أو لا أخرج، ومع ذلك فإن تطلق نكرة، وهذه الأفعال كلها للعموم عند الإطلاق، لأنها نكرة في سياق غير موجب فيحمل عليه إذا نواه، وكان مع السبب للخصوص على أصح القولين، وهذا ظاهر في قلوب الناس (١) .

وإن علق الطلاق على خروجها بغير إذن ثم أذن لها مرة فخرجت مرة أخرى بغير إذن طلقت، وهو مذهب أحمد؛ لأن خرجت فعل، والفعل نكرة، وهي في سياق الشرط تقتضي العموم.


(١) مختصر الفتاوى (٥٤٣) ، ف (٢/ ٣١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>