من أسوار خلافاً لمعاقل الغرب الشاحبة الكامدة القذرة، وتبدو هذه الأسوار، المؤلفة من حجارة صفر وسود مدورة ومربعة ومثلثة على ألف شكل مع الانسجام، خملة موشاة بالزبارج كما وصفها شعراء الشرق.
وليس ذلك النطاق كل ما يبدو للأعين، فهنالك أسوار في داخل المدينة تفصل بين أحيائها، وهنالك أسوار ذات أبراج مربعة قائمة على جوانبها، وهنالك أسوار تعلوها زخارف على شكل عمائم.
ولكن هذا ليس سوى المرحلة الأولى من المنظر، فصميم المدينة أسنى وأبهى، وهو يتألف من أشجار تألفه من بيوت، وذلك أن هنا صفا من شجر السرو، وهنا محلاً للنزهة، وهناك أقواساً عربية، وهناك سوقاً للأخذ والعطاء، وهنالك نخلاً تهز رؤوسها الجميلة فوق حوض على شكل نصف دائرة لعين عظيمة، وهنالك أشجاراً مثمرة مصفوفة على شكل رقاع الشطرنج داخل قصر إسلامي، ثم هنالك أكثر من ألف قبة تعلوها الأهل النحاسية والمآذن الرفيعة القائمة على جوانبها.
ولتلك الروضة المزهرة أشجار عالية وحدائق جميلة ذات وقع في النفوس كأشعة الشمس الوهاجة، ولها شعب بردى السبع التلوية الفضية التي تهب دمشق سحر الألوان أيضاً تلك هي دمشق التي يسميها العرب بالشام، والشام ما يسمي به العرب بلاد سورية.
والأوربي، حين يدخل دمشق التي يسميها العرب درة الشرق، لا تستهويه أول وهلة، وإنما تؤثر فيه طرق معوجة قذرة تقوم على طرفيها بيوت خربة ذات جدران مصنوعة من طين وتبن، وتؤثر فيه أعفار تعمي الأبصار بما لا يتصوره الإنسان، ولا يزول هذا التأثير السيئ عن الأوربي إلا بعد تألفها.
وتجارة دمشق الواسعة القائمة بينها وبين بقية الشرق تمنحها حياة عظيمة وطابقاً شرقياً خاصاً، والقوافل التي تأتي من بغداد توصل إليها منتجات فارس والهند، وتحمل القوافل إلى ذينك البلدين نسائجها الحريرية المشهورة وبزوزها وجلودها المدبوغة ونحاسها المكفت بالفضة.
وأقول، مكرراً: إنه يجب على من يرغب في اجتلاء الشرق وألوانه اللامعة أن يزور دمشق، وأهم ما يستوقف النظر في هذه المدينة القديمة ويبدو متنوعاً هو طرقها