وكانت إدارة الدولة موزعة بين أربعة دواوين مماثلة لدواوين الزمن الحاضر: وهو ديوان الغنائم ونفقات الجند، وديوان الضرائب، وديوان الجباية، وديوان رقابة الدخل والخرج.
وكانت جميع أوامر الخلفاء تكتب في سجل مصون؛ ليرجع إليها فيه من يأتون بعدهم.
وكان الوزير مرجع شؤون الدولة الأعلى، وكان أكثر الخلفاء يتركون له مقاليد الحكم تماماً، ويشابه منصبه في عصر الخلفاء منصب رئيس الوزراء في أيامنا.
ولم تكن الشرطة في عهد الخلفاء أقل انتظاماً من البريد والمالية، وكانت للتجار نقابة مسئولة لرقابة أمور البيع والشراء ومنع الغش والتدليس.
وكانت انتظام مالية الخلفاء سبباً في القيام بأعمال عظيمة تعود على الناس بالخير، كتعبيد الطرق وإنشاء الفنادق والمساجد والمشافي والمدارس في جميع نواحي الدولة، ولا سيما بغداد والبصرة والموصل ... إلخ.
واتسع نطاق الزراعة والصناعة، واشتهر نبيذ شيراز وأصبهان، وصار يصدر إلى البلاد البعيدة، وأنشئت مصانع للنسائج الحريرية في الموصل وحلب ودمشق، وصار العرب يستغلون الممالح ومناجم الكبريت والرخام والحديد والرصاص ... إلخ، بطرق فنية.
ووسعت دائرة التعليم العام، واستدعي الأساتذة من مختلف أقطار العالم، وبلغ علم الفلك درجة رفيعة من التقدم، وانتهى إلى نتائج لم ينته إليها الأوربيون إلا في العصر الحاضر، كقياس دائرة نصف النهار، ونقلت إلى اللغة العربية كتب علماء اليونان واللاتين، ولا سيما كتب الفلسفة والرياضيات، وصارت تدرس في جميع المدارس، وبحث العرب في آثار القدماء، فسبقوا الأوربيين إلى ذلك ببضعة قرون.
وأقدم العرب على تلك المباحث، التي لم يكن لهم عهد بها، بشوق ونشاط، وأكثروا من إنشاء المكتبات العامة والمدارس والمختبرات في كل مكان، وكانت لهم اكتشافات مهمة في أكثر العلوم كما سترى ذلك في الفصول التي ندرس فيها تفاصيل حضارتهم.
وترى من الخلاصة السابقة أن العرب بلغوا درجة رفيعة من الثقافة بعد أن أتموا فتوحهم بزمن قصير، ولكن الإدارة الرشيدة والفنون المعقدة كالتعدين وطراز العمارة، والعلوم كعلم الفلك؛ إذ كانت مما لا يأتي عفواً لم يفعل العرب غير مواصلة الحضارات التي ظهرت قبلهم، كالحضارة اليونانية اللاتينية، فكانت لهم مبتكرات فيما ورثوه من