تجهله من عالم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، فكانوا متمدنين لنا وأئمة لنا ستة قرون ... وظلت ترجمات كتب العرب، ولا سيما الكتب العلمية، مصدراً وحيداً، تقريباً للتدريس في جامعات أوربة خمسة قرون أو ستة قرون ... وإذا كانت هناك أمةٌ تقر بأننا مدينون لها بمعرفتنا لعالم الزمن القديم فالعرب هم تلك الأمة ... فعلى العالم أن يعترف للعرب بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة اعترافاً أبدياً، قال مسيو ليبرى: لو لم يظهر العرب على مسرح التاريخ: لتأخرت نهضة أوربة الحديثة في الآداب عدة قرون».
ولم يغب عن بال لوبون أن يرد على قول بعض الكتاب إن معظم علماء العرب في بلاد الإسلام ليسوا من أصلٍ عربي، فقد قال:«إن تلك البلاد مما ملكة العرب، وإن الدم العربي مما جرى في عروق أبنائها، وإن علوم العرب مما كان لها نصيبٌ منه زمناً طويلاً، وإنه إذا أبيح لأحدٍ أن يجادل في الآثار التي صدرت عن مدارس العرب كان ذلك من قبيل إباحته لنفسه أن يجادل في مؤلفات علماء فرنسة بحجة أنهم من الشعوب الكثيرة التي تألف من مجموعها الشعب الفرنسي كالنورمان، والسلت، والأكيتان ... إلخ».
وعند العلامة لوبون أن أوربة أخذت حضارتها من عرب الأندلس على الخصوص، وهو لم ير للحروب الصليبية كبير فضلٍ في تمدين أوربة خلا ما اقتبسه الأوربيون في اثنائها من وسائل ترف الشرق، وطراز عمارته وصنائعه، قال لوبون:«إن استفادة الصليبيين من علوم العرب الخالصة كانت ضعيفة إلى الغاية خلافاً لما ذهب إليه كثير من المؤرخين، فالجيوش الصليبية إذ كانت جاهلة للعلماء لم تكن لتبالي بالمعارف والأصول مبالاتها بشكل البناء أو الأسلوب الصناعي».
وسأل لوبون، بعد أن أثبت فضل العرب على أوربة وتمدينهم لها:«لماذا ينكر علماء الوقت الحاضر تأثير العرب؟ » فكان جوابه: «إن استقلالنا الفكري لم يكن، بالحقيقة، في غير الظواهر، وإننا لسنا من أحرار الفكر في بعض الموضوعات كما نريد.
فالمرء عندنا ذو شخصيتين: الشخصية العصرية التي كونتها الدراسات الخاصة والبيئة الخُلقية والثقافية، والشخصية القديمة غير الشاعرة التي جمدت وتحجرت بفعل الأجداد وكانت خلاصةً لماضٍ طويل.
والشخصية غير الشاعرة وحدها، ووحدها فقط، هي التي تتكلم عند أكثر الناس، وتمسك فيهم المعتقدات نفسها مسماةً بأسماء مختلفة، وتملي عليهم آراءهم فيلوح ما تملي عليهم من الآراء حرةً في الظاهر فتحترم.
فالحق أن أتباع محمد ظلوا أشد ما عرفته أوربة من الأعداء إرهاباً بعدة قرون، وأنهم عندما كانوا لا يرعدوننا بأسلحتهم، كما في زمن شارل مارتل والحروب الصليبية، أو