القديم لأحكام القرآن، وأنه لم يعقه عن ذلك العمل العظيم سوى أمر الخليفة إياه بأن يعود إلى دمشق، فلو وفق موسى بن نصير لذلك؛ لجعل أوربة مسلمة، ولحقق للأمم المتمدنة وحدتها الدينية، ولأنقذ أوربة، على ما يحتمل، من دور القرون الوسطى الذي لم تعرفة إسبانية بفضل العرب.
ولنتكلم، أولاً، عن امتزاج أهل البلاد بسادتهم الجدد قبل أن نقص عليك ماذا تم للعرب في إسبانية: كان أوائل الغزاة الإسبانية من العرب والبربر، وكان يوجد بضع قبائل سورية في الجيوش التي استولت عليها بعدئذ، ولم يكن عدد ما اشتملت عليه هذه القبائل كثيراً، ولم يظهر أمرها إلا في دور الفتح الأول، فماذا كان شأن العرب والبربر وأهل إسبانية بعد ما دانت إسبانية للعرب؟
يرى المحقق البصير في تاريخ المسلمين بإسبانية أن الإمامة الثقافية ورسالة التمدن كان يقوم بهما العرب، وأن البربر اختلطوا بطبقات الأهلين الوسطى والدنيا، وأن العرب حافظوا على شرفهم الثقافي حتى بعد أن قبض البربر على زمام الحكم.
وليس لدينا من الوثائق ما نتمكن به من تقدير نسبة العرب والبربر في مئات السنين الثماني التي دام فيها سلطان الإسلام بإسبانية، ولكن سير الأمور يدل على أن العنصر البربري أخذ يزيد بعد انفصال إسبانية عن خلافة المشرق، ولا سيما بعد توالي غارات بربر مراكش التي كانوا يشنونها عليها.
والحق أن العرب، بعد ذلك الانفصال، كانوا يعتمدون في بقائهم في إسبانية على تناسلهم، وأن البربر كانوا يزيدون فيها بمن يعبر جبل طارق من إخوانهم المراكشيين طلباً للثراء.
ويظهر أن التوالد لم يقتصر على العرب والبربر وحدهم، بل توالد العرب والبربر وسكان إسبانية الأصليون أيضاً، فكان العرب يتزوجون النصرانيات على الخصوص، فيمدون بذلك دوائر حريمهم ويديمون بذلك نسلهم.
وروى مؤرخو العرب أن العرب تزوجوا في بدء الفتح ثلاثين ألف نصرانية، ولا يزال يرى في قصر إشبيلية ردهة تدعى ردهة الصبايا اللائي كان النصارى يلزمون بتقديم مائة منهن إلى أحد ملوك العرب في كل سنة كجزية، فنحن إذا ما رأينا أن هؤلاء النصرانيات كن من مختلف الأجناس، وأنه كان يجري في عروقهن الدم الإيبري واللاتيني واليوناني والقوطي ... وغير ذلك، علمنا أنه نشأ عن توالد النصارى والبربر والعرب، الذي دام في بيئة واحدة قروناً كثيرة، عرق جديد مختلف عن العروق التي فتحت إسبانية