وإذ لم ينل البابا ليون التاسع أية مساعدة من قيصر الروم سعى إلى عقد حلف ضد النورمان، وخاطب الألمان في ذلك، ورأى الأسقف أيشتات عاراً في قيادة البابا لجيش يحارب به النصارى، ومنع ملك جرمانية، هنري الثالث، من الانضمام إليه، هنالك جمع البابا جيشاً أكثر عدداً من الجيش النورماني، وهجم على النورمان بصولة متوكلاً على الرب فكسر وأسر، وهنالك حاول البابا أن يستعطف قاهريه فاسترد حرمانه إياهم ومنحهم البركة، ولم يؤثر هذا في مشاعر النورمان، ولم يسرحوه إلا بعد سنة، وبعد أن أخذوا عليه العهود والمواثيق الغليظة.
وداوم النورمان، الذين خلا لهم الجو بذلك على اقتراف جرائم النهب عمداً في صقلية وإيطالية، ودام النزاع بين الحاكمين والمحكومين زمناً طويلاً، وتعوده الأهلون، وصاروا يألفون ما يقع كل يوم من حوادث السلب والقتل التي قص المؤرخون خبر كثير منها كما لو كان ذلك من الوقائع اليومية التي لا أهمية لها، ومن ذلك أن فرسان النورمان كانوا يفاجئون الأديار السيئة التحصين، ويسلبون كل ما فيها، ويبقرون بطون رهبانها على بكرة أبيهم خشية الفضيحة، وأن الرهبان من ناحيتهم كانوا يتغفلون بعض أولئك الفرسان بين حين وآخر فينتقمون منهم أشد الانتقام.
وتاريخ اللاتين حافل بوصف أنباء تلك المجاملات المتقابلة، ومن بين ألف حادثة منها أختار الخبر الآتي الذي اطلع عليه مسيو دولابريمويري في وثائق رهبان جبل كاسينو للدلالة على طبائع أهل ذلك الزمن:
صعد الكونت رالف في جبل كاسينو ذات يوم، وكان معه خمسة عشر نورمانياً، فترك هؤلاء النورمان، على حسب العادة، أسلحتهم وخيولهم عند باب الدير الذي دخلوه للصلاة، وبينما كان هؤلاء النورمان جثياً أمام هيكل القديس «بنوا» أغلق الرهبان أبواب الدير من فورهم، وقبضوا على تلك الأسلحة والخيول، ودقوا النواقيس إيذاناً بالخطر، فتدفق أنصار الدير كالسيل، وهجموا على هؤلاء النورمان الذين لم يبق لهم ما يدفعون به عن أنفسهم سوى السبحات التي كانت بأيديهم.
وذهب عبثاً ما تضرعوا به لاحترام ذلك المكان المقدس الذي لم يحدث أن احترموا أمثاله، وذهب عبثاً قسمهم إنهم لم يدخلوا الدير إلا للعبادة وللاتفاق مع رئيسه، فقد جعل الرهبان أصابعهم في آذانهم، ولم يرضوا أن ضيعوا ما سنح لهم من فرصة الانتقام، وقد قتل أصحاب الكونت الخمسة عشر، ولم