من أخذ مغانم كثيرة، وما كان العرب ليفعلوا أكثر من نهب مدينة تور وبضع مدن أخرى، سواء انتصر شارل مارتل أو لم ينتصر، وما كان هممهم مصروفاً إلى غير العودة بما غنموه على أن يعيدوا الكرة في سنة أخرى إلى أن يجدوا أمامهم من التحالف ما يدحرهم.
ولم يستطع شارل مارتل أن يطرد العرب من أية مدينة احتلوها عسكرياً، واضطر شارل مارتل إلى التقهقر أمامهم تاركاً لهم ما استولوا عليه من البلدان، والنتيجة المهمة الوحيدة التي أسفر عنها انتصاره هي أنه جعل العرب أقل جرأةً على غزو شمال فرنسة، ونتيجة مثل هذه، وإن كانت مفيدةً، لم تكف لتكبير أهمية انتصار هذا القائد الفرنجي.
ويرى المؤرخون الذين يجسمون قيمة انتصار شارل مارتل على العرب بالقرب من بواتية أنه لولا هذا الانتصار؛ لاستمر العرب على غزواتهم، واستولوا على أوربة، ثم يسألون مذعورين عن مصير الشعوب النصرانية لو خفقت فوقها راية النبي، قال مسيو هنري مارتن في كتابه عن تاريخ فرنسة الشعبي:«لقد تقرر مصير العالم في تلك المعركة، ولو غلب الفرنج فيها لكانت الأرض قبضة محمد ... ولخسرت أوربة والدنيا مستقبلهما، فليس النشاط الذي يحف الناس إلى التقدم مما تجده في عبقرية المسلمين التي تتلخص في فكرتهم عن الله، وإله المسلمين قد جنح إلى العزلة والسكون بعد أن خلق العالم، وهو لا يحث الناس على العمل في سبيل الرقي.»
والجواب عن ذلك هو أن النصر لو تم للعرب ما طرأ تبديل على مقادير البلاد، فإذا ما كان العرب غالبين انتهبوا بضع مدن، على ما يحتمل، زيادةً على المدن التي انتهبوها كما قلنا آنفاً، ثم ارتدوا حاملين غنائمهم إلى ملجأ أمين، ثم عادوا في السنين القادمة إلى سيرتهم الأولى ريثما يلقاهم عدو قوي يديرهم كما وفق له شارل مارتل.
ولكن لنفرض جدلاً أن النصارى عجزوا عن دحر العرب، وأن العرب وجدوا جو شمال فرنسة غير بارد ولا ماطر كجو إسبانية فطابت لهم الإقامة الدائمة به، فماذا كان يصيب أوربة؟ كان يصيب أوربة النصرانية المتبربرة مثل ما أصاب إسبانية من الحضارة الزاهرة تحت راية النبي العربي، وكان لا يحدث في أوربة التي تكون قد هذبت ما حدث فيها من الكبائر كالحروب الدينية، وملحمة سان بارتلمي، ومظالم محاكم التفتيش ... وكل ما لم يعرفه المسلمون من الوقائع التي ضرجت أوربة بالدماء عدة قرون.
ويجب أن يكون المرء جاهلاً تاريخ حضارة العرب جهلاً مطبقاً؛ ليوافق على ما زعمه ذلك المؤرخ العالم من «أن النشاط الذي يحفز الناس إلى التقدم ليس مما تجده