ما حدث من ذبح اليهود والألبيجوا وكل ذي بدعة، ومن إنشاء محاكم التفتيش، ومن الحروب الدينية، ومن الحروب الوحشية التي ضرجت أوربة بالدماء زمناً طويلاً.
ولنبحث الآن في نتائج الحروب الصليبية النافعة بعد أن ذكرنا نتائجها الضارة الثابتة: كان من النتائج السياسية التي نشأت عن الحروب الصليبية أن تضعضع النظام الإقطاعي في فرنسة وإيطالية على الأقل، وذلك أن السنيورات لم يخسروا كثيراً من أرضيهم التي باعوها؛ لينفقوا على ما جهزوه من الحملات فقط، بل باعوا أيضاً ما كانت تصبو إليه المدن من الحرية والامتيازات، فصارت هذه المدن دويلات مستقلة ضمن دول الإقطاع تابعة للملك وحده، ثم أصبح اشتراء المدن لحريتها مبدأ عاماً، فقامت بلدية مستقلة في كل مدينة، فكانت نتيجة ذلك أن ضعف شأن الإمارات الإقطاعية الصغيرة لا الكبيرة التي مالت إلى التوسع، وأن أضحى ملك فرنسة حكماً بين الفسالات وسادتهم السابقين أكثر مما في الماضي، وأن زادت بذلك سلطة ملوك فرنسة، الضعيفة قبل الحروب الصليبية، على حساب سلطة فسالاتهم التي كادت تساوي سلطة الملك فيما مضى، والتي عادت لا تكون في غير الظواهر في بضعة قرون.
شكل ٨ - ٧: قدح عربي يعرف بقدح شارلمان، ويرجح أنه جيء به من الشرق أيام الحروب الصليبية (متحف شارتر).
ولم يتقلص النظام الإقطاعي بفعل الحروب الصليبية إلا في فرنسة وإيطالية، لا في إنكلترة وألمانية اللتين لم يشترك سنيوراتهما في الحروب الصليبية الأولى إلا قليلاً، واللتين