«وترى الأرقاء في مصر أحسن حالاً مما كانوا عليه قبل استرقاقهم بدلاً من أن يكونوا من البائسين المناكيد، وبلغ الكثيرون منهم، ولا سيما البيض، أرقى المناصب في مصر، ويُعد ابن الأمَة في مصر مساوياً لابن الزوجة في الحقوق، وإذا كان ابن الأمَةِ هذا بِكْرَ أبيه تمتع بكل ما تمنحه البِكْرِية من الامتيازات، ولم تكن من غير الأرقاء زُمرة المماليك التي مَلَكَتْ مصر زمناً طويلاً. وفي أسواق النِّخاسة اشتُري علي بك وإبراهيم بك ومراد بك الجَبَّار الذي هُزم في معركة الأهرام، وليس من النادر أن ترى اليوم قائداً أو موظفاً كبيراً في مصر لم يكن في شبابه غير رقيق، وليس من النادر أن ترى رجلاً في مصر كان سيده المصري قد تبناه وأحسن تعليمه وزوَّجه ابنته.»
وليست مصر القطرَ الوحيد الذي يُعَامَل فيه الأرقاء برفق عظيم، أي أن ما تراه في مصر تَرَى مثلَه في كل بلد خاضع للإسلام، واسمع ما قالته السيدة الإنكليزية بِلَنْتُ في كتاب رِحلتها في بلاد نجد ذاكرةً محادثتها لعربي:
«إن مما لم يستطع أن يفهمه ذلك العربي هو وجود نفع للإنكليز في تقييد تجارة الرقيق في كل مكان، ولما قلتُ له إن مصلحة الإنسانية اقتضت ذلك» أجابني: «إن تجارة الرقيق لا تنطوي على جَور، ومن ذا الذي رأى إيذاء زِنْجِي؟ » والحق أننا لا نزعم أننا رأينا ذلك، ومن الأمور المشهورة أن الأرقاء عند العرب يكونون من الأبناء المُدلَّلين أكثر من أن يكونوا من الأجُراء.
ولا شيء يستحق الذم واللوم كالرق، ولكن المبادئ التي صنعها الإنسان ذات شأن ضعيف في سير الأمور، وإذا ما نظر المرء إلى الرق بمنظار الزنجي المخلوق المنحط وَجَده أمراً طيباً، فلا شيء أصلح لهؤلاء المخلوقات الضعيفة الفطرية القليلة الحذر والتبصر من أن يكون لها سيد يرى من مصالحه أن يقوم بشؤونها، ودليلنا على هذا ما أصاب أرقَّاء أمريكة من الانحطاط المُحزِن الذي نشأ عن تحريرهم بعد حرب الانفصال، وإلقاء حِبالهم على غَوَاربهم.
ويتطلب منعُ النِّخاسة منعَ البحث عن الأرقاء كما يزعم الإنكليز أنهم يفعلون، أي تبديلَ طبائع الشرق كله، وتغيير بقية العالم بعض التغيير، ولم ينشأ عن تدخل الأوربيين القائم على الرياء والمداجاة فيما لا يَعنيهم سوى الفشلِ ومقتِ الشرقيين لهم.
قال المؤلف الإنكليزي «ج. كُوبِر» في كتاب حديث دَرَسَ فيه أمر النخاسة في إفريقية: «لم تكن الحملات التي جُرِّدت على تجار الرقيق في السودان إلا من نوع الغَزَوات التي