عاداتٍ مستقرةً بالأذهان بعض الاستقرار، وإلغائهم العاداتِ غيرَ الصالحة أو الضارةَ التي لولاهم لدام أمرها مدة أخرى، أجل، إن تأثير المشترعين مهم، ولكن هذا التأثير لا يكون إلا إذا كانت التحولات التي هي وليدة استنباطهم ضئيلةً إلى الغاية، وهنالك يمكنهم أن يُرَدِّدوا قول سولون:«إنني لم أمنح أهل أثينة أفضل ما يتصور الإنسان من القوانين، بل مَنَحْتُهم أفضل القوانين التي يطيقونها»، فسولون لم يَخْتَر القوانين التي جاء بها في الحقيقة من غير العادات السابقة التي رَسَخَت في أذهان القوم ومعتقداتهم.
شكل ٣ - ١: داخل حوش في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).
ومثل ذلك شأن مُحَمَّد الذي عَرَف كيف يختار من نظم العرب القديمة ما كان يبدو أقومَها، فَدَعَمها بنفوذه الديني العظيم، ولكن شريعة مُحَمَّد لم تَنْسَخ جميع العادات التي قامت مقامها كما أن قانون الألواح الاثنيْ عشر لم يقضِ على قوانين الرومان القديمة، ومحمدٌ، حين رأى أن يُحرِّم بعض العادات القديمة كالوَأْدِ، لم يفعل غير ما يلائم المشاعر المنتشرة بدرجة الكفاية وما تُقِرُّه هذه المشاعر.
وشريعة مُحَمَّد، في فصولها غيرِ الدينية، هي خلاصة عادات قديمة إذن، وهي، كالشرائع الأخرى، تكشِف بسهولة عن الحالة الاجتماعية للأمة التي ظهرت فيها، ولا