للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شكل ٥ - ١١: مصباح عربي قديم كان في مسجد الحمراء (يبلغ ارتفاعه مترين و ١٥ سنتيمتراً، متحف العاديات الإسباني).

وكانت أخلاق العرب في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبةً، ولا سيما الأمم النصرانية، وكان عدلهم واعتدالهم ورأفتهم وتسامحهم نحو الأمم المغلوبة ووفاؤهم بعهودهم ونبلُ طبائعهم مما يستوقف النظر ويناقض سلوك الأمم الأخرى، ولا سيما الأمم الأوربية أيام الحروب الصليبية.

ولو صحَّ أن يكون للأديان ما يُعزَى إليها من التأثير لوجب أن نقول: إن القرآن أفضلُ من الإنجيل ما بَدَت أممُ الإسلام أسمى أخلاقاً من أمم النصرانية فيما مضى، ولكن ما قلناه من استقلال الأديان على الأخلاق يدل على انتفاء صحة هذا الاستنتاج، فأخلاق المسلمين، كأخلاق النصارى، اختلفت باختلاف العوامل المذكورة صعوداً وهبوطاً.

ونشأ عن سيادة الترك الطويلة ونظامِهم السياسي انحطاطٌ في أخلاق الشرقيين الذين خضعوا لحكمها، وإذا كانت مكارم الأخلاق تتبخَّر، ويَعُمُّ الفساد في بلادٍ كتركية، حيث يكون دين ولي الأمر وعُمَّاله أهواءهم، وحيث يكون كل إنسان عرضةً لمظالم هؤلاء الطامعين في انتهاب ما في أيدي الناس ليغتنوا، وحيث يقنط الناس من العدل فلا ينالون شيئاً إلا بالرشوة، فإنك ترى أخلاق الشرقيين الخاضعين لسلطان الترك قد انحطت بحكم الضرورة، ولكن القرآن بريءٌ من هذا الانحطاط براءةَ الإنجيل من انحطاط النصارى الخاضعين لمثل ذلك السلطان.

<<  <   >  >>