السلجوقيين، والحروب الصليبية، وغارات المغول ــ اضطرابُ البلاد، وقيامُ القاهرة وجامعات الأندلس العربية العظيمة مقامَ بغداد في زعامة الإسلام العلمية.
ومع ذلك لم تكُفَّ بغداد عن مزاولة العلوم، وكان حبُّ العرب للعلوم من القوة بحيث لم تمنعهم الحروب والفتن الأهلية وغارات الأجنبي من الاهتمام لها، وبَلَغ العرب من سعة المعارف ما أثَّروا معه تأثيراً كبيرًا في قاهريهم، وما صار معه هؤلاء الغالبون حُماةً لهم من فورهم.
ولا شيء، يُورِث العجب أكثر من انتصار حضارة العرب على همجية جميع الغُزاة، ومِن تَخَرُّجِ هؤلاء الغزاة، من فورهم، على مدرسة العرب المغلوبين، فقد دام عمل العرب في حقل الحضارة إلى ما بعد زوال سلطانهم السياسي بزمن طويل، وقد دام بفضل ذلك تقدم بغداد العلمي بعد أن صارت قبضة الأجانب، وقد داومت مدرسة بغداد الفلكية على ازدهارها إلى أواسط القرن الخامس عشر من الميلاد، ولم تنقطع عن نشر رسائل مهمة في الفلك، ومن ذلك أن نشر البيرونيُّ، والذي كان مشيراً للسلطان محمودٍ الغزنوي (سنة ١٠٣٠ م)، مقالته في «تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض»، والبيروني هذا زار بلاد الهند وعلَّم الهندوس ما انتهت إليه مدرسة بغداد، ومن ذلك أن أمر السلطان ملكشاه السلجوقي، في سنة ١٠٧٩ م بالقيام بأرصادٍ أسفرت عن إصلاح التقويم السنوي بما هو أفضل من التقويم الغريغوريِّ الذي تم بعد ستمائة سنة، وذلك لأن التقويم الغريغوريَّ يؤدي إلى خطأ ثلاثة أيام في كل عشرة آلاف سنة، مع أن التقويم العربي لا يؤدي إلا إلى خطأ يومين في مثل ذلك الزمن.
ولم يكن المغول أقلَّ اعتناء بالعلماء من السلجوقيين، فقد استدعى هلاكوخان في سنة ١٢٥٩ م أفضلَ علماء العرب إلى بلاطه، وأقام في مراغة مرصداً كبيراً نموذجياً، ولم يلبث كوبلاي خان، الذي هو أخٌ لهلاكو، أن نقل إلى بلاد الصين التي افتتحها كتبَ علماء بغداد والقاهرة في علم الفلك، واليومَ نعلم أن فلكيي الصين، ولا سيما كوشو كنغ (١٢٨٠)، استنبطوا معارفَهم الفلكية الأساسية من تلك الكتب، ولذا نقول: إن العرب هم الذين نشروا علم الفلك في العالم كله بالحقيقة.
ولما استقر تيمورلنك بسمرقند، التي اتخذها عاصمة دولته العظمى المشتملة على التركستان وبلاد فارس والهند، جمع حوله فريقاً من علماء العرب، ولما آل سلطان سمرقند إلى حفيده أولوغ بك الذي عاش في القرن الخامس عشر من الميلاد أقبل على علم الفلك بنشاط عظيم، وأحاط نفسه بعدد غير قليل من علماء المسلمين، واستطاع،