ولم يظهر في أوربة، قبل القرن الخامس عشر من الميلاد، عالمٌ لم يقتصر على استنساخ كتب العرب، وعلى كتب العرب وحدها عوَّل روجر بيكن وليونارد البيزي وأرنود الفيلنوفي وريمون لول وسان توما وألبرت الكبير والأذفونش العاشر القشتالي ... إلخ، قال مسيو رينان:«إن ألبرت الكبير مدين لابن سينا في كل شيء، وإن سان توما مدينٌ في جميع فلسفته لابن رشد.»
وظلت ترجمات كتب العرب، ولا سيما الكتب العلمية، مصدراً وحيداً، تقريباً للتدريس في جامعات أوربة خمسة قرون أو ستة قرون، ويمكننا أن نقول: إن تأثير العرب في بعض العلوم، كعلم الطب مثلاً، دام إلى أيامنا، فقد شُرِحَت كتب ابن سينا في مونبلية في أواخر القرن الماضي.
وبلغ تأثير العرب في جامعات أوربة من الاتساع ما شَمِل معه بعض المعارف التي لم يحققوا فيها تقدماً مهماً كالفلسفة مثلاً، فكان ابن رشد الحجة البالغة للفلسفة في جامعاتنا منذ أوائل القرن الثالث عشر من الميلاد، ولما حاول لويس الحادي عشر تنظيم أمور التعليم في سنة ١٤٧٣ م أمر بتدريس مذهب هذا الفيلسوف العربي ومذهب أرسطو.
ولم يكن نفوذ العرب في جامعات إيطالية، ولا سيما جامعة بادو، أقل منه في فرنسة، فقد كان للعرب فيها شأنٌ كالذي بدا للأغارقة واللاتين بعد عصر النهضة، ويمكن القارئ أن يتمثَّل سعة نفوذ العرب من الاحتجاج الصاخب الآتي الذي قاله الشاعر الكبير بترارك:«يا عجباً، استطاع شيشرون أن يكون خطيبًا بعد ديموستين، واستطاع فيرجل أن يكون شاعراً بعد أوميرس، فهل قُدِّر علينا ألا نؤلِّف بعد العرب؟ لقد تَساوَيْنَا نحن والأغارقة وجميع الشعوب غالباً وسبقناها أحياناً، خلا العرب، فيا للحماقة! ويا للضلال! ويا لعبقرية إيطالية الناعسة أو الخامدة! »
ولم يكن للقرآن تأثيرٌ في جميع مذاهب العرب العلمية والفلسفية التي نشروها في العالم في خمسة قرون، كما أنه لم يكن للتوراة أثرٌ في كتب العلم الحديثة، ولا عجب، فالقرآن مجموعة أحكام كان يحترمها العلماء تقريباً؛ لأنها مصدر سلطان العرب، ولملاءمتها احتياجات الجماهير التي ليس من طبيعتها أن تكترث للعلوم والفلسفة في كل زمن إلا قليلاً، غير أن العلماء كانوا لا يبالون بما بين نتائج اكتشافاتهم ونظريات الكتاب المقدس «القرآن» من الاختلاف، فإذا ما بلغت أفكارهم الحرة عامة الناس اضطر حمايتهم من الخلفاء، عادةً، إلى نفيهم لأجلٍ محدود احتراماً للشعور العام، وإذا