للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِي لَا زَمَانَةَ بِهِ. وقَال ابنُ عَبَّاسٍ: الفُقَرَاءُ من المُسْلِمِينَ، والمَسَاكِينَ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَقَال الضَّحَّاكُ: الفُقَرَاءُ من المُهَاجِرِينَ. والمَسَاكِينَ مِنَ الأَعْرَابِ. وَقَال مُجَاهِدٌ والزُّهْرِيُّ الفَقِيرُ الَّذِي لا يَسْأَلُ، والمِسْكِينُ السَّائِلُ. وهَذَهِ كلُّهَا لَا يَقُوْمُ عَلَى شَيءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا لُغَةٍ، إِذْ لَا وَجْهَ لاعتِبَارِ الصِّحَّةِ والزَّمَانَةُ، والسُّؤَالُ وغيرُ السُّؤَالِ في التفْرِقَةِ بَينَهَا، وإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتبَرَ أَيُّهُمَا أَحْسَنُ حَالًا، وهَذَا أَمْرٌ قَدْ تنازَعَ النَّاسُ فِيه، فَقَال قَوْمٌ: الفَقِيرُ أَحْسَنُ حَالًا مِن المِسْكِينِ، وهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَاب مَالِكٍ، وأَحَدُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ، وَقَالُوا: الفَقِيرُ الَّذِي لَهُ البُلْغَةُ، والمِسْكِينُ: الًّذِي لَا شَيءَ لَهُ واحْتَجُّوا بِبَيتِ الرَّاعِي (١)، وبِقَوْلهِ [تَعَالى] (٢): {[مِسْكِينًا] ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)} وبأَنَّهُ مِفْعِيلٌ من السُّكُوْنِ وعَدَمِ الحَرَكَةِ. وقَال آخَرُوْنَ: العَكْسُ، ومِمَّنْ قَال بِذلِكَ الأَصْمَعِيُّ، وبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ وأَصْحَابهُ واحْتَجُّوا بأَصْحَابِ السَّفِينَةِ (٣)، وبِأنَّ الفَقِيرَ مِنْ كَسْرِ الفِقَارِ، ومَنْ كُسِرَ فِقَارُه فَلَا حَيَاةَ لَهُ، وبِقَوْلِ الشَّاعِرِ (٤):

هَلْ لَكَ في أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ

تُغِيثُ مِسْكِينًا كَثيرًا عَسْكَرُهْ

عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وبَصَرُهْ


(١) بيت الراعي هو [ديوانه: ٦٤]:
أمَّا الفَقِيرُ الَّذي كَانَتْ حَلُوْبَتُهُ ... وفْقَ العِيَال فَلَمْ يُتْرك لَهُ سَبَدُ
(٢) سورة البلد.
(٣) أي في قوله تعالى: (أَمَّا الْسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ... } [الكهف: ٧٩].
(٤) الأبيات في اللِّسان (سكن).