للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَجَعَلَ لَهُ عَشْرَ شِيَاهٍ، والأوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، ولَا حُجَّةَ فِيمَا احتَجَّ بِهِ هَؤُلَاءِ؛ لِأنَّه لَيسِ مِنْ شَرْطِ الإضَافَةِ أَن يُرَادَ بِهَا المِلْكَ في كُلِّ مَوْضِعٍ، فَإِنَّ العَرَبَ تُضِيفُ الشَّيءَ إِلَى الشَّيءِ وتَنْسِبُ إِلَيهِ لِمَا بَينَهُمَا مِنَ المُلَابَسَةِ والمُجَاوَرَةِ، فَيَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ الله تَعَالى نَسَبَهَا إِلَيهِمْ لِتَوَلِّيهِمْ أَمْرَهَا، كَمَا تُنْسَبُ الدَّابَّةُ إِلَى الَّذِي يَخْدِمُهَا وَقَدْ قَال [الله] تَعَالى (١): {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ولَا مَقَامَ لله، وإِنَّمَا هُوَ لِلعَبْدِ بَينَ يَدَي رَبِّه، وإِنَّمَا المَعْنَى: مَقَامَهُ بَينَ يَدَيهِ أَوْ عِنْدَهُ، ويُرْوَى بَيتُ زُهَيرٍ (٢):

* ... فَأَمْسَى رَهْنُهَا غَلِقَا *

أي: رَهْنُهَا عِنْدَنَا، ويَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ سَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ؛ لأنَّهُ عَلَى جِهَةِ التَّرَحُّمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: "مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ" قَالُوا: وإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ؟ قَال: "وإِنْ كانَ ذَا مَالٍ" وفي قَوْلهِمْ أَيضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المِسْكِينَ عِنْدَهُم إِنَّمَا كَانَ الَّذِي لَا مَال لَهُ وَلِذلِكَ سَأَلُوْهُ.

وأَمَّا البَيتُ فَمَعْنَاهُ: "عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وبَصَرُهُ" لَوْ وُهِبَتْ لَهُ، فَحَذَفَ مَا لَا يَتِمَّ الكَلَامُ إلَّا بِهِ لِعِلْمِ السَّامِعِ بِمُرَادِهِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يُريدَ: مُلْكَ عَشْر شياهٍ أَوْ هِبَةَ عَشْرِ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وبَصَرُهُ، فَحذَفَ المُضَافَ.

-[وَقَوْلُهُ: "لَوْ مَنعوْنِي عِقَالًا"] [٣٠]. العِقَالُ: صَدَقَةُ عَامٍ، قَالهُ الكِسَائِيُّ (٣)،


(١) سورة الرحمن.
(٢) شرح ديوان زُهَيرِ (٣٣)، والبيتُ بتَمَامِهِ:
وَفَارَقَتْكَ برَهْن لا فكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الوَدَاعَ فَأمْسَى رَهْنَهَا غَلقًا
(٣) قَول الكسائي في غريب الحديث لأبي عبيد (٣/ ٢١٠).