للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَهْرًا، أَي: أَخِّرْ عَنَّا حُرْمَةَ المُحَرَّم فاجْعَلْهَا في صَفَرٍ؛ لأنَّهُم كَانُوا يَكْرَهُوْنَ أَنْ يَتَوَالى عَلَيهِمْ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ لَا يُغِيرُوْنَ فِيهَا، فَيُحِل لَهُّمَ المُحَرَّمَ ويُحَرِّمُ صَفَرًا، فَيَسْتَمِرُّوْنَ عَلَى ذلِكَ مُدَّةً، وَقَدْ كَانَ صَفَرُ أَوَّل سَنَتِهِمْ مَكَانَهُ، وصَارَ المُحَرَّمُ مَكَانَ ذِي الحِجَّةِ، ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُم غَرَضٌ يَحْتَاجُوْنَ فِيهِ إِلَى الحَرْبِ، فَيَرْغَبُوْنَ إِلَى سَيِّدِهِم أَنْ يُؤَخِّرَ تَحْرِيمَ المُحَرَّمِ أَيضًا إلى صَفَرِ فَيَتأخَّرُ التَّحْرِيمُ إلى رَبِيع الأوَّلِ


= ليس بمعروفٍ غيرَ صَحِيحٍ. وَقَال القُرْطبي: أوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذلِكَ رَجُلٌ من بني كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ: نُعَيمُ بنُ ثَعْلَبَةَ، ثمَّ كَانَ بَعْده رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: جُنَادَةُ بنُ عُوْفٍ وهو الذي أدركه رَسوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وجاء في الإصابة عن ابن أبي نُجَيحٍ، عن مُجاهد أنَّ أوَّلَ مَنْ نَسَأَ الحارثُ بنُ ثَعْلَبَةَ بن مالكِ بن كِنَانَةَ، وآخر من نسأ أبو ثمامة ... " كذا قال، ونقل عن الزُّبير في "نسب قريش" (١٣) مثل ذلِك. وبذلِك يصحَّحُ نصُّ الإمامِ القُرطبي الَّذي ذَكَرَ أَوَّلَهُم ثم ذكر بعدَه آخرَهُم.
وَجُنَادَةُ هذا قَال السُّهَيلِي في "الرَّوض الأنُف": "وجدتُ له خبرًا يدلّ على أنَّه أسلمَ فإنّه حَضَرَ الحَجَّ مَرَّةً في زَمَنِ عُمَرَ فَرَأَى النَّاسَ يزدَحِمُوْنَ على الحَجَرِ الأسْوَدِ فقال: أيُّها النَّاسُ إنِّي قد أَجَرْتُهُ مِنكم فَخَفَقَهُ عُمَرُ بالدُّرةِ وقال: وَيحَكَ! إن الله قَدْ أَبْطَلَ أَمْرَ الجَاهِلِيةِ". يُراجع: السيرة النَّبوية (١/ ٤٥)، والأوَائل لأبي هلال (٩١)، ومحاسن الوسائل (١٦٥)، ومعجم الشُّعراء (٨٢)، واللآلي للبَكْرِيِّ (١/ ١١)، وبلوغ الأرب (١/ ٢٣٤)، وأوائل الجُراعي (١١٩) وغيرها. وَكَانَ جُنَادَةُ مُطَاعًا في الجَاهِلِيّةِ، وَكَانَ يَقُومُ عَلَى جَمَلٍ في المَوْسِمِ فَيقُوْلُ بِأَعْلَى صَوْتهِ إنَّ آلهَتِكُم قد أَحَلتْ لكم المُحَرَّم فأَحِلُوْه، ثمَّ يَقُومُ في العام المُقبل فيقول: إنَّ آلِهَتِكُمْ قد حَرَّمَتْ عليكمُ المُحَرمَ فَحَرِّمُوْهُ، ورُبمَا زادُوا في عَدَدِ الشُّهُوْرِ فَجَعَلُوْهَا ثلاثةَ عَشَرَ شهرًا، أو أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا, ولذلِك قَال اللهُ تَعَالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} قال العَسْكَرِيُّ في "الأوَائل": "فَلَمَّا أراد الصدر اجتَمَعُوا إليه فقال: إِنِّي أَحْلَلْتُ دِمَاءَ المُحِلّين من طَيّئٍ وَخَثْعَمٍ فاقتُلُوْهم حَيثُ ثَقِفْتُمُوهُم. قَال العَسْكَرِيُّ: وإنَّما أَحَلَّ دِمَاء طيّئٍ وَخَثْعَمٍ؛ لأنَّهُمَا يُصِيبَانِ النَّاسَ في الأشْهُرِ الحُرُمِ".