للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتِحْقَاقُ زَيدٍ العِقَابَ سَبَبًا مُوْجِبًا لِعِقَابِهِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ "حَتَّى" بِمَعْنَى "حِينَ" فِي قَوْله (١): "حَتَّى تَمَلُّوا" أَي: حِينَ، إِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى الحِينِ؛ لأنَّهَا تُسْتَعْمَلُ غَايَةً في الزَّمَانِ تَقُوْلُ: جَلَسْتُ حَتَّى الطهْرِ؛ أَي: حَتَّى هَذَا الحِينِ، فَلَمَّا كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ في الحِينِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيهِ الفِعْلُ سَدَّتْ مَسَدَّهُ؛ أَي: لَا يَملُّ عِنْدَ الغَايَةِ الَّتِي يَقَعُ المَلَلُ مِنْكُمْ. وَبِمَعْنَى "كَي" تَقُوْلُ: صَلَّيتُ حَتَّى يَغْفِرَ اللهُ [لِي]. وَلَهَا مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ قَوْلُكَ: لَا تُمَازِحُهُ حَتَّى يَغْضَبَ أَي: لَا تَبْلُغُ بِمُمَازَحَتِهِ حَدَّ الغَضَبِ.

- وَ [قَوْلُهُ: "حَتَّى الهِجْرَةِ"] الهِجْرَةُ: هَيئَةُ الهَجْرِ كَالجِلْسَةِ والرِّكْبَةِ، وَسُمِّيَتْ هِجْرَةً؛ لأنَّ الرَّجُلَ كان يَهْجُرُ فِيهَا قَوْمَهُ وَيُقَاطِعُهُمْ، وكَذلِكَ سُمِّيتُ مُهَاجَرَةً ومُرَاغَمَةً، قَال [الله] تَعَالى (٢): {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا [كَثِيرًا وَسَعَةً] (٣)} والمُرَاغَمُ: مصدَرٌ جَاءَ عَلَى مِثَالِ المَفْعُوْلِ بِمَعْنَى المُرَاغَمَةِ، كَمَا قَالُوا: المُقَاتَلُ بِمَعْنَى المُقَاتَلَةِ.

وَتَوْجيهُهُ رِدَاءَهُ (٤) أَمْرٌ كَانَتِ العَرَبُ تَفْعَلَهُ في الجَاهِلِيةِ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ خَفَارَةَ (٥) رَجُلٍ وَتَأَمِينَهُ مِمَّا يَخَافُ، وَأَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ [أنَّهُ] في كَنَفِهِ، أَلْقَى


(١) في الحديث: "إكلفوا من العَمَل ما تَطيقون فإِنَّ اللهَ لا يَمَلَّ حَتَّى تَمَلُّوا". وفي الشِّعر: أَنْشَد اليَفْرُنِي في "الاقتضاب" للسَّاعِدِيِّ:
* لا يَملَّ الشرَّ حَتَّى تَمَلُّوا *
(٢) سُوْرَةُ النِّسَاءِ، الآية: ١٠٠.
(٣) في (س).
(٤) في الأصل: "رداؤه".
(٥) في الأصل: "حاره".