للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= والنُّشوْرِ، حتَّى صَارت هَذ الدَّعوة مَجَال تَهَكُّمهم واستهزائهم وسخريتهم بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فجاءت آيات القُرآن الكريم تحكي أقوالهم، وتَصِفُ أَحْوَالهم، وتنقل دعواهم الباطلة، وترد عليهم الرُّدود المقنعة؛ لمن كان له عقلٌ، ولمن كان له قلبٌ، ولمن كان له لبٌّ، ولمن تَفَكَّر، ولمن تَدَبَّرَ، وهي كافية لإيقاظ عقول العالمين وإنارة عقول المُتفكرين.
فالمُشْركون جَحَدُوا بالبَعْثِ {وَقَالُوا مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ}، {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩)}، وأنكروا مَا يَكُوْنُ مَعَ البَعْثِ من جَزَاءٍ وتَعْذِيب للجَاحِدِين بِهِ، فَقَالُوا: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إلا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩)}، واستبعدوا البعثَ إلى حدِّ الاسْتِحَالة -عَلَى حَسَبِ زَعْمِهِمْ- حَتَّى قَالُوا: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (٣٦)} واعتبروا هَذَا الوَعْد من السِّحْرِ {وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)} كَمَا اعْتبَرُوه من الأسَاطِير الَّتي لَا حَقِيقَة لَهَا: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إلا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣)}، {وَالَّذِي قَال لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إلا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)}، وزَادُوا هَذَا الإنْكَار بتأكيده بالقَسَمِ عليه: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} ثمَّ أكَّدَ اللهُ ذلِكَ بأنَّ هَذَا الإنْكَارِ يَسْتَوي فيه جِنُّهُمْ وإِنْسُهُم على حَدٍّ سَوَاء {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (٧)} وآياتُ القُرآن كثيرةٌ جِدًّا، وأحَاديثُ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - ناطقةٌ بذلِكَ، وأَنَا لَا أَشك أَنَّ المُؤَلِّفَ يَعْرِفُ هَذَا وَلَا يُنْكِره، ويَقُول بِهِ ويَعْتَقِدُهُ، وَهُوَ يَقْصِد أَنَّ طَائَفةً مِنْ أهْلِ الجَاهِلِيَّة تَعْقِد هَذَا الاعْتِقَاد، ويُؤمِنُون بالبَعْثِ والنُّشُورِ، وهَذَا شَيءٌ لَا نُنْكِرُه، فمنهم من قَرَأ في الكُتُب القَديمة واعْتَقَدَ بوَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالى وآمنَ بالبَعْثِ والنُّشُوْرِ، والجَنَّةِ والنَّارِ والقَضَاءِ والقَدرِ، على بقيَّةٍ من الحَنيفية الأُوْلَى دين إبراهيم على نبينا وعليه السَّلام، وهم قلَّةٌ، وأَنَا إِنَّمَا تلوتُ بعضَ الآيات الواردة في القرآن الكريم التي تُثْبِت إِنْكَار المُشركين للبعث بصفة عامَّةٍ؛ لأنَّ هَذَا الإنْكَار هو الصِّفة الغالبة عليهم؛ ولأنَّ زعماءهم وصناديدهم وأهل الحلِّ والعقد فيهم لا يعتقدون ذلك، ولا تسأل بعد ذلِك عن عامَّتهم، ولا =