للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَتَّى يَأْتِيَ لَهُ مِنْهُ مُرَادُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بنِ العَاصِ -حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ عُثْمَانَ-: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ (١) إِذَا حَكَكْتُ قُرْحَةً أَدْمَيتُهَا؛ أَرَادَ إِنَّه كَانَ يَظُنُّ أَنَّه سَيُقْتَلُ، وَصدَقَ ظَنُّهُ. وَبَلَغَ مُعَاويَةَ أَنَّ بِطْرِيقًا في بِلادِ الرُّوْمِ يُؤاذِي المُسْلِمِينَ وَيَطْعَنُ عَلَيهِمْ ويُغْرِي بِهِمْ المَلِكَ فَبَعَثَ إِلَيهِ مُعَاويَةُ بِهَدِيَّةٍ فِيهَا خِفَافٌ حُمْرٌ ودُهْنُ بَانٍ، ثمَّ بَعَثَ إِلَيهِ بِثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ حَتَّى عُرِفَتْ رُسُلُ مُعَاويَةَ بالاخْتِصَاصِ بِذلِكَ البِطْرِيقِ والنُّزُوْلِ عَلَيهِ، ثُمَّ كَتَبَ مُعَاويَةُ إِلَى ذلِكَ البِطْرِيقِ كِتَابًا يَشْكُرُهُ فِيهِ عَلَى مَا وَعَدَهُ مِنْ خُذْلانِ مَلِكِ الرُّوْمِ السَّعْيِ عَلَيهِ، وأَمَرَ رُسُلَهُ بَأَنْ تَتَعَرَّضَ لأنْ يُرَى الكِتَابُ، فاتَّصَلَ ذلِكَ بِمَلِكِ الرُّوْمِ فَطَلَبَ البِطْرِيقَ وأَرَاحَ اللهُ مِنْهُ المُسْلِمِينَ، فَبَلَغَ ذلِكَ مُعَاويَةَ، فَقَال: أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن، وَمِنْ ذلِكَ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ (٢):


(١) قَوْلُ عَمْرِو بن العَاصِ - رضي الله عنه - أَصْبَحَ مثلًا وَتنَاقَلَتْهُ كُتُب الأمْثَالِ، يُرَاجع: أَمْثَالُ أَبِي عُبَيدٍ (١٠٤)، وشَرْحُهُ "فصل المقال" (١٥١)، وجمهرة الأمثال (١/ ١٤٤)، ومجمع الأمثال (١/ ٢٨)، والمستقصى (١/ ١٢٤)، واللِّسان (حكك).
(٢) ديوان أبي النَّجم (٩٩). وفي الأغاني (٢٢/ ٣٣٨): أخبرني جَعْفَرُ بنُ قُدَامَةَ، قَال: حَدَّثَنَا الرِّيَاشِيُّ، عن الأصْمَعِيِّ قَال: قَال أَبُو النَّجْمِ لِلعُدَيلِ بن الفَرْخِ: أَرَأَيتَ قَوْلَكَ:
فَإِنْ تَكُ مِنْ شَيبَانِ أَمِّي فَإِنِّنِي ... لأبْيَضُ مَجْلِيٌّ عَرِيضُ المَفَارِقِ
أَكنْتَ شَاكًّا في نَسَبِكَ حَتَّى قُلْتَ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَال العُدَيلُ: أَشَكَكتَ في نَفْسِكَ أَوْ شِعْرِكَ حِينَ قُلْتَ:
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وشِعْرِي شِعْرِي ... لله دَرِّي مِمَّا يُجِنُّ صَدْرِي؟ !
يَفْتَخِرُ بِنَفْسِهِ وشِعْرِهِ، فَأَمْسَكَ أَبُو النَّجْمِ واسْتَحْيَا. ويُراجع: شعر العُدَيلِ في "شعراء أُمَويُّون" (٣٠٣). والشَّاهد في: الكامل (١/ ٤٤)، والخصائص (٣/ ٣٣٧)، والمُنصف (١/ ١٠)، وأمالي ابن الشَّجري (١/ ٢٤٤)، وشرح المفصَّل "التَّخمير" (١/ ٢٧٤)، وشرح =