للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقُرِئَ النَّاسِي يُرِيدُ آدَمَ، وَهِيَ صِفَةٌ غَلَبَتْ عَلَيْهِ كَالْعَبَّاسِ وَالْحَرْثِ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) [طه: ١١٥] .

قَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (٢٠٠)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنَاسِكَكُمْ) : وَاحِدُهَا مَنْسَكٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا.

وَالْجُمْهُورُ عَلَى إِظْهَارِ الْكَافِ الْأُولَى، وَأَدْغَمَهَا بَعْضُهُمْ، شَبَّهَ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ بِحَرَكَةِ الْبِنَاءِ فَحَذَفَهَا. (أَوْ أَشَدَّ) : أَوْ هَاهُنَا لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَأَشَدَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى ذِكْرِكُمْ، تَقْدِيرُهُ: أَوْ كَأَشَدَّ ; أَيْ أَوْ كَذِكْرٍ أَشَدَّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى الْكَافِ ; أَيْ أَوْ ذِكْرًا أَشَدَّ.

وَ (ذِكْرًا) : تَمْيِيزٌ، وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ مُشْكِلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَفْعَلَ تُضَافُ إِلَى مَا بَعْدَهَا إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا ; كَقَوْلِكَ ذِكْرُكَ أَشَدُّ ذِكْرٍ وَوَجْهُكَ أَحْسَنُ وَجْهٍ ; أَيْ أَشَدُّ الْأَذْكَارِ، وَأَحْسَنُ الْوُجُوهِ.

وَإِذَا نَصَبْتَ مَا بَعْدَهَا كَانَ غَيْرَ الَّذِي قَبْلَهَا ; كَقَوْلِكَ زَيْدٌ أَفْرِهِ عَبْدًا، فَالْفَرَاهَةُ لِلْعَبْدِ لَا لِزَيْدٍ، وَالْمَذْكُورُ قَبْلَ أَشَدَّ هَاهُنَا هُوَ الذِّكْرُ، وَالذِّكْرُ لَا يُذْكَرُ حَتَّى يُقَالَ الذِّكْرُ أَشَدُّ ذِكْرًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ الذِّكْرُ أَشَدُّ ذِكْرٍ بِالْإِضَافَةِ ; لِأَنَّ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ، وَابْنُ جِنِّي وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ الذِّكْرَ ذَاكِرًا عَلَى الْمَجَازِ، كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ أَشَدُّ ذِكْرًا مِنْ عَمْرٍو وَعِنْدِي أَنَّ الْكَلَامَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ: أَوْ كُونُوا أَشَدَّ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْكُمْ لِآبَائِكُمْ وَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) ; أَيْ كُونُوا ذَاكِرِيهِ وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>