(فَقَلِيلًا) : مَنْصُوبٌ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَ (مَا) : زَائِدَةٌ، أَيْ فَإِيمَانًا قَلِيلًا يُؤْمِنُونَ. وَقِيلَ صِفَةٌ لِظَرْفٍ ; أَيْ فَزَمَانًا قَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ ; لِأَنَّ قَلِيلًا لَا يَبْقَى لَهُ نَاصِبٌ. وَقِيلَ: مَا نَافِيَةٌ ; أَيْ فَمَا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَمِثْلُهُ (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) وَ (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) وَهَذَا أَقْوَى فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا يَضْعُفُ شَيْئًا مِنْ جِهَةِ تَقَدُّمِ مَعْمُولِ مَا فِي حَيِّزِ مَا عَلَيْهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِابْتِدَاءِ غَايَةِ الْمَجِيءِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةً لِكِتَابٍ.
(مُصَدِّقٌ) : بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِكِتَابٍ. وَقُرِئَ شَاذًّا بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَفِي صَاحِبِ الْحَالِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْكِتَابُ ; لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ فَقَرُبَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ، وَيَكُونَ الْعَامِلُ الظَّرْفُ أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الظَّرْفُ وَمِثْلُهُ: (رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ) [الْبَقَرَةِ ١٠١] .
قَوْلُهُ: (مِنْ قَبْلُ) : بُنِيَتْ هَهُنَا لِقَطْعِهَا عَنِ الْإِضَافَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ.
(فَلَمَّا جَاءَهُمْ) : أَتَى بِلِمَا بَعْدَ لَمَّا مِنْ قَبْلِ جَوَابِ الْأُولَى، وَفِي جَوَابِ الْأُولَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: جَوَابُهَا لَمَّا الثَّانِيَةُ وَجَوَابُهَا ; وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْفَاءَ مَعَ لَمَّا الثَّانِيَةِ، وَلَمَّا لَا تُجَابُ بِالْفَاءِ إِلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ زِيَادَةَ الْفَاءِ عَلَى مَا يُجِيزُهُ الْأَخْفَشُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ كَفَرُوا جَوَابُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute