للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يُرَادُ بِالسُّعَدَاءِ الْمُوَحِّدُونَ، وَلَكِنْ يَدْخُلُ مِنْهُمُ النَّارَ الْعُصَاةُ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا. فَمُقْتَضَى أَوَّلِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الْمُوَحِّدِينَ فِي الْجَنَّةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الْعُصَاةَ ; فَإِنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ «مَا» عَلَى بَابِهَا ; وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْأَشْقِيَاءَ يَسْتَحِقُّونَ النَّارَ مِنْ حِينِ قِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ يُؤَخَّرُونَ عَنْ إِدْخَالِهَا مُدَّةَ الْمَوْقِفِ. وَالسُّعَدَاءُ يَسْتَحِقُّونَ الْجَنَّةَ وَيُؤَخَّرُونَ عَنْهَا مُدَّةَ الْمَوْقِفِ، وَ (خَالِدِينَ) عَلَى هَذَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; وَفِيهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَكْرِيرٌ عِنْدَ قَوْمٍ ; إِذِ الْكَلَامُ يَسْتَقِلُّ بِدُونِهَا.

وَقَالَ قَوْمٌ «فِيهَا» يَتَعَلَّقُ بِخَالِدِينَ، وَلَيْسَتْ تَكْرِيرًا وَفِي الْأُولَى يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. وَ (عَطَاءً) : اسْمُ مَصْدَرٍ ; أَيْ إِعْطَاءً لِذَلِكَ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ; لِأَنَّ الْعَطَاءَ بِمَعْنَى الْمُعْطَى.

(سُعِدُوا) : بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْجَيِّدُ ; وَقُرِئَ بِضَمِّهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الزِّيَادَةِ ; أَيْ أُسْعِدُوا، وَأَسَّسَهُ قَوْلُهُمْ: رَجُلُ مَسْعُودٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِمَّا لَازِمُهُ وَمُتَعَدِّيهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، مِثْلَ شَحَا فَاهُ، وَشَحَا فُوهُ، وَكَذَلِكَ سَعِدُوا وَسَعَدْتُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ، وَلَا هُوَ مَقِيسٌ.

قَالَ تَعَالَى: (فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) : حَالٌ ; أَيْ وَافِيًا.

قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>