للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَيْسُوا) : الْوَاوُ اسْمُ لَيْسَ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ عَلَى الْمَذْكُورِينَ قَبْلَهَا، وَ (سَوَاءً) : خَبَرُهَا ; أَيْ لَيْسُوا مُسْتَوِينَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) : فَأُمَّةٌ مُبْتَدَأٌ، وَقَائِمَةٌ نَعْتٌ لَهُ، وَالْجَارُّ قَبْلَهُ خَبَرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ فَاعِلَ الْجَارِّ، وَقَدْ وُضِعَ الظَّاهِرُ هُنَا مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَالْأَصْلُ مِنْهُمْ أُمَّةٌ. وَقِيلَ: أُمَّةٌ رُفِعَ بِسَوَاءٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابِ ; لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ خَبَرَ لَيْسَ. وَقِيلَ: أُمَّةٌ اسْمُ لَيْسَ، وَالْوَاوُ فِيهَا حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ، كَمَا قَالُوا: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ. وَسَوَاءٌ الْخَبَرُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، إِذْ لَيْسَ الْغَرَضُ بَيَانَ تَفَاوُتِ الْأُمَّةِ الْقَائِمَةِ التَّالِيَةِ لِآيَاتِ اللَّهِ، بَلِ الْغَرَضُ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا. (يَتْلُونَ) : صِفَةٌ أُخْرَى لِأُمَّةٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَائِمَةٍ، أَوْ مِنَ الْأُمَّةِ ; لِأَنَّهَا قَدْ وُصِفَتْ، وَالْعَامِلُ عَلَى هَذَا الِاسْتِقْرَارُ.

وَ (آنَاءَ اللَّيْلِ) : ظَرْفٌ لِيَتْلُونَ لَا لِقَائِمَةٍ ; لِأَنَّ قَائِمَةً قَدْ وُصِفَتْ فَلَا تَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَ الصِّفَةِ، وَوَاحِدُ الْآنَاءِ إِنًى مِثْلُ مِعًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُ الْهَمْزَةَ، فَيَصِيرُ عَلَى وَزْنِ عَصَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنْي بِالْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ. (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَتْلُونَ، أَوْ فِي قَائِمَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَكَذَلِكَ «يُؤْمِنُونَ. وَيَأْمُرُونَ. وَيَنْهَوْنَ» إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا أَحْوَالًا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَفْتَهَا.

قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>