(إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ) : النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ، وَهُوَ الْوَجْهُ.
وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ شَاذًّا، وَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ كَأَنَّهُ قَالَ: امْتَنَعَ قَلِيلٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ: ثُمَّ تَوَلَّى قَلِيلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْكُمْ لَمْ يَتَوَلَّ ; كَمَا قَالُوا: مَا مَرَرْتُ بِأَحَدٍ إِلَّا وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ خَيْرٌ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الْمُرْفُوعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَسِيبَوَيْهِ وَأَصْحَابُهُ يُسَمُّونَهُ نَعْتًا وَوَصْفًا، وَأَنْشَدَ أَبُو عَلِيٍّ فِي مِثْلِ رَفْعِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَبِالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ ... عَافٍ تَغَيَّرَ إِلَّا النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ.
(وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ ; لِأَنَّ تَوَلَّيْتُمْ يُغْنِي عَنْهُ.
وَقِيلَ الْمَعْنَى تَوَلَّيْتُمْ بِأَبْدَانِكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ بِقُلُوبِكُمْ فَعَلَى هَذَا هِيَ حَالٌ مُنْتَقِلَةٌ وَقِيلَ تَوَلَّيْتُمْ يَعْنِي آبَاءَهُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ يَعْنِي أَنْفُسَهُمْ ; كَمَا قَالَ (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [الْبَقَرَةِ: ٣٩] يَعْنِي آبَاءَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ دِيَارِكُمْ) : الْيَاءُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ ; لِأَنَّهُ جَمْعُ دَارٍ وَالْأَلِفُ فِي دَارٍ وَاوٌ فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّهَا مِنْ دَارَ يَدُورُ، وَإِنَّمَا قُلِبَتْ يَاءً فِي الْجَمْعِ ; لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَاعْتِلَالِهَا فِي الْوَاحِدِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ صَحَّتْ فِي (لِوَاذًا) ; قِيلَ: لَمَّا صَحَّتْ فِي الْفِعْلِ صَحَّتْ فِي الْمَصْدَرِ، وَالْفِعْلُ لَاوَذَ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ صَحَّتْ فِي دَيَّارٍ؟ قِيلَ: الْأَصْلُ فِيهِ دَيْوَارٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ، وَأُدْغِمَتْ.
(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute