للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى لَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِهِ، فَحَقَّقَ قَوْمٌ الْهَمْزَتَيْنِ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ، إِلَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ مُسْتَثْقَلٌ ; لِأَنَّ الْهَمْزَةَ نَبْرَةٌ تَخْرُجُ مِنَ الصَّدْرِ بِكُلْفَةٍ، فَالنُّطْقُ بِهَا يُشْبِهُ التَّهَوُّعَ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَمْزَتَانِ كَانَ أَثْقَلَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ، فَمِنْ هُنَا لَا يُحَقِّقُهُمَا أَكْثَرُ الْعَرَبِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَقِّقُ الْأُولَى، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَةَ بَيْنَ بَيْنَ ; أَيْ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ هَمْزَةٌ مَلِيئَةٌ، وَلَيْسَتْ أَلِفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الثَّانِيَ أَلِفًا صَحِيحًا، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي آدَمَ وَآمَنَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلِينُ الثَّانِي، وَيَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى بِالْأَلِفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَقِّقُ الْهَمْزَتَيْنِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ.

وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ الْأُولَى هَاءً، وَيُحَقِّقُ الثَّانِيَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلِينُ الثَّانِيَةَ مَعَ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ الْأُولَى، وَيَجْعَلَ الثَّانِيَةَ أَلِفًا صَحِيحًا، وَيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ أَلِفَيْنِ، وَدَخَلَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ هُنَا لِلتَّسْوِيَةِ، وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِالِاسْتِفْهَامِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَفْهِمَ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ ; فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ مَنْ يُرِيدُ التَّسْوِيَةَ، وَيَقَعُ ذَلِكَ بَعْدَ سَوَاءٍ كَهَذِهِ الْآيَةِ، وَبَعْدَ لَيْتَ شِعْرِي، كَقَوْلِكَ: لَيْتَ شِعْرِي أَقَامَ أَمْ قَعَدَ، وَبَعْدَ لَا أُبَالِي وَلَا أَدْرِي.

وَأَمْ هَذِهِ هِيَ الْمُعَادِلَةُ لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلَمْ تَرُدَّ الْمُسْتَقْبَلَ إِلَى مَعْنَى الْمُضِيِّ حَتَّى يَحْسُنَ مَعَهُ أَمْسِ، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا إِنِ الشَّرْطِيَّةُ عَادَ الْفِعْلُ إِلَى أَصْلِهِ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ.

قَالَ تَعَالَى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧))

<<  <  ج: ص:  >  >>