للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْهَمْزَةَ أُبْدِلَتْ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ بَدَا يَبْدُو، إِذَا ظَهَرَ.

وَبَادِيَ هُنَا ظَرْفٌ، وَجَاءَ عَلَى فَاعِلٍ، كَمَا جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ، نَحْوَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْعَافِيَةِ وَالْعَاقِبَةِ، وَفِي الْعَامِلِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: نَرَاكَ ; أَيْ فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا مِنَ الرَّأْيِ، أَوْ فِي أَوَّلِ رَأْيِنَا.

فَإِنْ قِيلَ: مَا قَبْلَ «إِلَّا» إِذَا تَمَّ لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَهَا، كَقَوْلِكَ: مَا أَعْطَيْتُ أَحَدًا إِلَّا زَيْدًا دِينَارًا ; لِأَنَّ إِلَّا تُعَدِّي الْفِعْلَ وَلَا تُعَدِّيهِ إِلَى وَاحِدٍ، كَالْوَاوِ فِي بَابِ الْمَفْعُولِ مَعَهُ قِيلَ: جَازَ ذَلِكَ هُنَا ; لِأَنَّ «بَادِيَ» ظَرْفٌ، أَوْ كَالظَّرْفِ ; مِثْلَ جَهْدَ رَأْيِي أَنَّكَ ذَاهِبٌ ; أَيْ فِي جَهْدِ رَأْيِي، وَالظُّرُوفُ يُتَّسَعُ فِيهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ (اتَّبَعَكَ) أَيِ اتَّبَعُوكَ فِي أَوَّلِ الرَّأْيِ، أَوْ فِيمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْحَثُوا. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ (أَرَاذِلُنَا) : أَيِ الْأَرَاذِلُ فِي رَأْيِنَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ مَحْذُوفٌ ; أَيْ يَقُولُ ذَاكَ فِي بَادِيَ الرَّأْيِ بِهِ.

وَ (الرَّأْيِ) مَهْمُوزٌ، وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ.

قَالَ تَعَالَى: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (٢٨)) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مِنْ» مُتَعَلِّقَةً بِالْفِعْلِ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ نَعْتِ الرَّحْمَةِ.

(فَعَمِيَتْ) أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ ; لِأَنَّكُمْ لَمْ تَنْظُرُوا فِيهَا حَقَّ النَّظَرِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: عَمِيتُمْ عَنْهَا، كَقَوْلِهِمْ: أَدْخَلْتُ الْخَاتَمَ فِي أُصْبُعِي.

وَيُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالضَّمِّ ; أَيْ أُبْهِمَتْ عَلَيْكُمْ عُقُوبَةً لَكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>