وإلى أفعالهم ما أزينها، نسأل الله تعالى أن يحسن أخلاقنا، وأن يبارك لنا في أرزاقنا إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب الرابع والعشرون في حسن المعاشرة والمودة والأخوة والزيارة وما أشبه ذلك
اعلم أن المودة والأخوة والزيارة سبب التآلف، والتآلف سبب القوة، والقوة سبب التقوى، والتقوى حصن منيع وركن شديد بها يمنع الضيم وتنال الرغائب وتنجع المقاصد، وقد منّ الله تعالى على قوم وذكرهم نعمته عليهم بأن جمع قلوبهم على الصفا وردها بعد الفرقة إلى الألفة والإخاء، فقال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً
«١» .
ووصف نعيم الجنة وما أعد فيها لأوليائه من الكرامة، إذ جعلهم إخوانا على سرر متقابلين، وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإخاء وندب إليه، وآخى بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وقد ذكر الله تعالى أهل جهنم وما يلقون فيها من الألم إذ يقولون: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ١٠٠ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ١٠١
«٢» .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه:
الرجل بلا أخ كشمال بلا يمين، وأنشدوا في ذلك:
وما المرء إلا بإخوانه ... كما يقبض الكفّ بالمعصم
ولا خير في الكفّ مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذم
وقال زياد: خير ما اكتسب المرء الإخوان فإنهم معونة على حوادث الزمان ونوائب الحدثان، وعون في السراء والضراء.
ومن كلام علي رضي الله عنه وكرم وجهه:
عليك بإخوان الصفاء فإنّهم ... عماد إذا استنجدتهم وظهور
وإنّ قليلا ألف خلّ وصاحب ... وإنّ عدوا واحدا لكثير
وقال الأوزاعي: الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب إن لم تكن مثله شانته. وقال عبد الله بن طاهر: المال غاد ورائح والسلطان ظل زائل والإخوان كنوز وافرة.
وقال المأمون للحسن بن سهل: نظرت في اللذات فوجدتها كلها مملولة سوى سبعة، قال: وما السبعة يا أمير المؤمنين؟ قال: خبز الحنطة، ولحم الغنم، والماء البارد، والثوب الناعم، والرائحة الطيبة والفراش الواطىء، والنظر إلى الحسن من كل شيء، قال: فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال؟ قال: صدقت، وهي أولاهن وقال سليمان بن عبد الملك: أكلت الطيب ولبست اللبن وركبت الفاره «٣» وافتضضت العذراء، فلم يبق من لذاتي إلا صديق أطرح معه مؤنة التحفظ.
وكذلك قال معاوية رضي الله عنه: نكحت النساء حتى ما أفرق بين امرأة وحائط، وأكلت الطعام حتى لا أجد ما استمرئه، وشربت الأشربة حتى رجعت إلى الماء، وركبت المطايا حتى اخترت نعلي، ولبست الثياب حتى اخترت البياض، فما بقي من اللذات ما تتوق إليه نفسي إلا محادثة أخ كريم.
وأنشدوا في معنى ذلك:
وما بقيت من اللّذات إلّا ... محادثة الرجال ذوي العقول
وقد كنّا نعدّهم قليلا ... فقد صاروا أقلّ من القليل
وقال لبيد:
ما عاتب المرء اللبيب كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
وقال آخر:
إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالا لزلّته عذرا «٤»
وقيل لابن السماك: أي الإخوان أحق ببقاء المودة؟
قال: الوافر دينه، الوافي عقله، الذي لا يملّك على القرب ولا ينساك على البعد، إن دنوت منه داناك، وإن بعدت عنه